( قال يانوح إنه ليس من أهلك ) أي:الذين وعدت إنجاءهم ; لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك; ولهذا قال:( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) [ هود:40] ، فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحا ، عليه السلام .
وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه ، وإنما كان ابن زنية ، ويحكى القول بأنه ليس بابنه ، وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد ، والحسن ، وعبيد بن عمير ، وأبي جعفر الباقر ، وابن جريج ، واحتج بعضهم بقوله:( إنه عمل غير صالح ) وبقوله:( فخانتاهما ) [ التحريم:10] ، فممن قاله الحسن البصري ، احتج بهاتين الآيتين . وبعضهم يقول:كان ابن امرأته . وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن ، أو أراد أنه نسب إليه مجازا ، لكونه كان ربيبا عنده ، فالله أعلم .
وقال ابن عباس ، وغير واحد من السلف:ما زنت امرأة نبي قط ، قال:وقوله:( إنه ليس من أهلك ) أي:الذين وعدتك نجاتهم .
وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه ، فإن الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه; ولهذا قال تعالى:( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) إلى قوله ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) [ النور:11 - 15] .
وقال عبد الرزاق:أخبرنا معمر ، عن قتادة وغيره ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية . قال عكرمة:في بعض الحروف:"إنه عمل عملا غير صالح "، والخيانة تكون على غير باب .
وقد ورد في الحديث أن رسول الله قرأ بذلك ، فقال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد قالت ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ:"إنه عمل غير صالح "، وسمعته يقول:( ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) ولا يبالي ( إنه هو الغفور الرحيم ) [ الزمر:53] .
وقال أحمد أيضا:حدثنا وكيع ، حدثنا هارون النحوي ، عن ثابت البناني ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة أن رسول الله قرأها:"إنه عمل غير صالح ".
أعاده أحمد أيضا في مسنده .
أم سلمة هي أم المؤمنين والظاهر - والله أعلم - أنها أسماء بنت يزيد ، فإنها تكنى بذلك أيضا .
وقال عبد الرزاق أيضا:أخبرنا الثوري وابن عيينة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سليمان بن قتة قال:سمعت ابن عباس - سئل - وهو إلى جنب الكعبة - عن قول الله:( فخانتاهما ) [ التحريم:10] ، قال:أما وإنه لم يكن بالزنا ، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون ، وكانت هذه تدل على الأضياف . ثم قرأ:( إنه عمل غير صالح ) قال ابن عيينة:وأخبرني عمار الدهني أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال:كان ابن نوح ، إن الله لا يكذب! قال تعالى:( ونادى نوح ابنه ) قال:وقال بعض العلماء:ما فجرت امرأة نبي قط .
وكذا روي عن مجاهد أيضا ، وعكرمة ، والضحاك ، وميمون بن مهران وثابت بن الحجاج ، وهو اختيار أبي جعفر بن جرير ، وهو الصواب [ الذي] لا شك فيه .