{قَالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} الذين أمرتك بحملهم معك ،وتعهدت لك بإنقاذهم ،{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} أما أهلك فهم الصالحون السائرون على طريقك ،لأنهم هم الذين يرثون الأرض ليصلحوها ،أمّا غير الصالحين فلا فرق بينهم وبين الآخرين من الكافرين ،ولا يمكن أن تطلب مني أن أقرّبهم إليّ لقربهم منك ،فلا فرق عندي بين عبادي جميعاً ،لأنهم يتساوون أمامي في الخلق ،فأقربهم إليّ أقربهم إلى خط الرسالات ،وأبعدهم عني أبعدهم عنه .
وهكذا تتحدد القرابة لا على أساس ما تربطه العاطفة النسبيّة بالرسول ،بل الأساس هو العلاقة الرسالية .وكان الأمر في بدايته واضحاً عند المراجعة والتأمّل ،فالوعد بحمل أهلك كان مختصاً بغير من سبق عليه القول بالهلاك ،وقد كان ولدك منهم ،فلا تستسلم للعاطفة في انفعالاتك ،{فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ،ولعل المراد من هذا التعبير الكناية عن عدم كونه حقّاً لتعرف عنه ذلك باعتبار أن الباطل لا أساس له ،ليتعلق به العلم ،وربما كان المقصود به الكناية عن الفعل الإلهيّ الذي يخفى سرُّه عن الناس ،أي: فلا تسأل ما لا تستطيع معرفته ،وقد فسّره الكثيرون بأنه يتعلق بنجاة ابنه ،وهو غير واضح من سياق اللفظ{إِنِّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الذين لا ينطلقون في رغباتهم من الخط الصحيح الذي يتناسب مع خط الحق المرتبط بالإيمان ،لأن ذلك يعبر عن جهل في شخصية الإنسان ،بينما ينطلق العالمون بحقائق الأشياء وفق ارتباط رغباتهم بالحق ،لأن الإيمان يمثل الانسجام بين الفكر والرغبة ،كيلا يعيش المؤمن الازدواجيّة بين ما يفكر فيه ،وبين ما يشتهيه ويطلبه .