وقوله:( ومن شر النفاثات في العقد ) قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك:يعني:السواحر - قال مجاهد:إذا رقين ونفثن في العقد .
وقال ابن جرير:حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال:ما من شيء أقرب من الشرك من رقية الحية والمجانين .
وفي الحديث الآخر:أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:اشتكيت يا محمد ؟ فقال:"نعم ". فقال:بسم الله أرقيك ، من كل داء يؤذيك ، ومن شر كل حاسد وعين ، الله يشفيك .
ولعل هذا كان من شكواه ، عليه السلام ، حين سحر ، ثم عافاه الله تعالى وشفاه ، ورد كيد السحرة الحساد من اليهود في رءوسهم ، وجعل تدميرهم في تدبيرهم ، وفضحهم ، ولكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الدهر ، بل كفى الله وشفى وعافى .
وقال الإمام أحمد:حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن يزيد بن حيان ، عن زيد بن أرقم قال:سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما ، قال:فجاءه جبريل فقال:إن رجلا من اليهود سحرك ، عقد لك عقدا في بئر كذا وكذا ، فأرسل إليها من يجيء بها . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عليا رضي الله تعالى عنه] فاستخرجها ، فجاء بها فحللها قال:فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال ، فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه في وجهه [ قط] حتى مات .
ورواه النسائي ، عن هناد ، عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير .
وقال البخاري في "كتاب الطب "من صحيحه:حدثنا عبد الله بن محمد قال:سمعت سفيان بن عيينة يقول:أول من حدثنا به ابن جريج ، يقول:حدثني آل عروة ، عن عروة فسألت هشاما عنه ، فحدثنا عن أبيه ، عن عائشة قالت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر ، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن - قال سفيان:وهذا أشد ما يكون من السحر ، إذا كان كذا - فقال:"يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للآخر:ما بال الرجل ؟ قال:مطبوب . قال:ومن طبه ؟ قال:لبيد بن أعصم - رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقا - وقال:وفيم ؟ قال:في مشط ومشاقة . قال:وأين ؟ قال:في جف طلعة ذكر تحت رعوفة في بئر ذروان ". قالت:فأتى [ النبي صلى الله عليه وسلم] البئر حتى استخرجه فقال:"هذه البئر التي أريتها ، وكأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن نخلها رءوس الشياطين ". قال:فاستخرج . [ قالت] . فقلت:أفلا ؟ أي:تنشرت ؟ فقال:"أما الله فقد شفاني ، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا ".
وأسنده من حديث عيسى بن يونس وأبي ضمرة أنس بن عياض وأبي أسامة ويحيى القطان وفيه:"قالت:حتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله ". وعنده:"فأمر بالبئر فدفنت ". وذكر أنه رواه عن هشام أيضا ابن أبي الزناد والليث بن سعد .
وقد رواه مسلم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير . ورواه أحمد عن عفان ، عن وهيب ، عن هشام به .
ورواه الإمام أحمد أيضا عن إبراهيم بن خالد ، عن رباح ، عن معمر ، عن هشام عن أبيه ، عن عائشة قالت:لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي ، فأتاه ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال أحدهما للآخر:ما باله ؟ قال:مطبوب . قال:ومن طبه ؟ قال:لبيد بن الأعصم وذكر تمام الحديث .
وقال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره:قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما:كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه ، فأعطاها اليهود فسحروه فيها . وكان الذي تولى ذلك رجل منهم - يقال له:[ لبيد] بن أعصم - ثم دسها في بئر لبني زريق ، ويقال لها:ذروان ، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه ، ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ، وجعل يذوب ولا يدري ما عراه . فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه:ما بال الرجل ؟ قال:طب . قال:وما طب ؟ قال:سحر . قال:ومن سحره ؟ قال:لبيد بن أعصم اليهودي . قال:وبم طبه ؟ قال:بمشط ومشاطة . قال:وأين هو ؟ قال:في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان - والجف:قشر الطلع ، والراعوفة:حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح - فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعورا ، وقال:"يا عائشة ، أما شعرت أن الله أخبرني بدائي ؟ ". ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة ، وأخرجوا الجف ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه ، وإذا فيه وتر معقود ، فيه اثنتا عشرة عقدة مغروزة بالإبر . فأنزل الله تعالى السورتين ، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة ، فقام كأنما نشط من عقال ، وجعل جبريل عليه السلام ، يقول:باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من حاسد وعين الله يشفيك . فقالوا:يا رسول الله ، أفلا نأخذ الخبيث نقتله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما أنا فقد شفاني الله ، وأكره أن يثير على الناس شرا ".
هكذا أورده بلا إسناد ، وفيه غرابة ، وفي بعضه نكارة شديدة ، ولبعضه شواهد مما تقدم ، والله أعلم .