قوله تعالى:{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} .
اقتران الحسد بالسحر هنا ،يشير إلى وجود علاقة بين كل من السحر والحسد ،وأقل ما يكون هو التأثير الخفي الذي يكون من الساحر بالسحر ،ومن الحاسد بالحسد مع الاشتراك في عموم الضرر ،فكلاهما إيقاع ضرر في خفاء ،وكلاهما منهي عنه .
وقد أوضح فضيلة الشيخ -رحمة الله تعالى علينا وعليه- أنواع السحر وأحكامه ،وأورد فيه كلاماً وافياً .
وقد ظهر بما قدمنا: أن الحسد له علاقة بالسحر نوعاً ما ،فلزم إيضاحه وبيان أمره بقدر المستطاع ،إن شاء اللَّه .
أولاً: تعريفه:
قالوا: إن الحسد هو تمني زوال نعمة الغير ،أو عدم حصول النعمة للغير شحاً عليه بها .
وقد قيدت الاستعاذة من شر الحاسد إذا حسد ،أي عند إيقاعه الحسد بالفعل ،ولم يقيدها من شر الساحر إذا سحر .
وذلك والله تعالى أعلم: أن النفث في العقد هو عين السحر ،فتكون الاستعاذة واقعة موقعها عند سحره الواقع منه بنفثه الحاصل منه في العقد .
أما الحاسد فلم يستعذ منه إلا عند إيقاعه الحسد بالفعل ،أي عند توجهه إلى المحسود ؛لأنه قبل توجهه إلى المحسود بالحسد لا يتأتى منه شر ،فلا محل للاستعاذة منه .
أما حقيقة الحسد: فيتعذر تعريفه منطقياً .
وتقدم للشيخ -رحمة الله تعالى علينا وعليه- أنه قال في السحر: لا يمكن تعريفه لخفائه .
ومعلوم أن الحسد أشد خفاء ؛لأنه عمل نفسي ،وأثر قلبي ،وقد قيل فيه: إنه كإشعاع غير مرئي ،ينتقل من قلب الحاسد إلى المحسود ،عند تحرقه بقلبه على المحسود ،وقد شبه حسد الحاسد بالنار في قولهم:
اصبر على مضض الحسود *** فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها *** إن لم تجد ما تأكله
وقد أنكر بعض الفلاسفة وقوع الحسد ،حيث إنه غير مشاهد ،وهم محجوجون بكل موجود غير مشاهد ،كالنفس والروح والعقل .
وقد شوهدت اليوم أشعة [ إكس] وهي غير مرئية ،ولكنها تنفذ إلى داخل الجسم من إنسان وحيوان ؛بل وخشب ونحوه .ولا يردها إلاَّ مادة الرصاص لكثافة معدنه ،فتصور داخل جسم الإنسان من عظام وأمعاء وغيرها ،فلا معنى لرد شيء لعدم رؤيته .
تنبيه
قد أطلق الحسد هنا ،ولم يبين المحسود عليه ،ما هو مع أنه كما تقدم زوال النعمة عن الغير .
وقد نبه القرآن الكريم على أعظم النعمة التي حسد عليها المسلمون عامة ،والرسول صلى الله عليه وسلم خاصة ،وهي نعمة الإسلام ،ونعمة الوحي ،وتحصيل الغنائم .
فأهل الكتاب حسدوا المسلمين على الإسلام في قوله تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} .
والمشركون حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نعمة الوحي إليه ،كما في قوله تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} .
والناس هنا عام أريد به الخصوص ،وهو النَّبي صلى الله عليه وسلم ،كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} .
فالناس الأولى عام أريد به خصوص رجل واحد ،وهو نعيم ابن مسعود الأشجعي .
ومما جاء فيه الحسد عن نعمة متوقعة .قوله تعالى:{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ اللَّهِ قُل لن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} .
فتبين بنص القرآن أن الحسد يكون في نعمة موجودة ،ويكون في نعمة متوقع وجودها .
تنبيه آخر
توجد العين كما يوجد الحسد ،ولم أجد من فرَّق بينهما مع وجود الفرق .
وقد جاء في الصحيح: "إن العين لحق ".
كما جاء في السنن:"لو أن شيئاً يسبق القدر لسبقته العين ".
ويقال في الحسد: حاسد ،وفي العين: عائن ،ويشتركان في الأثر ،ويختلفان في الوسيلة والمنطلق .
فالحاسد: قد يحسد ما لم يره ،ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه ،ومصدره تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود ،وبتمني زوالها عنه أو عدم حصولها له ،وهو غاية في حطة النفس .
والعائن: لا بعين إلا ما يراه ،والموجود بالفعل ،ومصدره انقداح نظرة العين ،وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله .
وقد يطلق عليه أيضاً الحسد ،وقد يطلق الحسد ويراد به الغبطة ،وهو تمني ما يراه عند الآخرين من غير زواله عنهم .
وعليه الحديث:"لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الخير ،ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها بين الناس ".
وقال القرطبي: روي مرفوعاً: "المؤمن يغبط ،والمنافق يحسد ".
وقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء ،وأول ذنب عصي به في الأرض ،فحسد إبليس آدم ،وحسد قابيل هابيل ا ه .
تحذير
كنت سمعت من الشيخ -رحمة الله تعالى علينا وعليه- قوله: إن أول معصية وقعت هي الحسد ،وجر شؤمها إلى غيرها ،وذلك لما حسد إبليس أبانا آدم على ما آتاه الله من الكرامات من خلقه بيديه ،وأمر الملائكة بالسجود له ،فحمله الحسد على التكبر ،ومنعه التكبر من امتثال الأمر بالسجود ،فكانت النتيجة طرده ،عياذاً باللَّه .
أسباب الحسد
وبتأمل القصة ،يظهر أن الحامل على الحسد أصله أمران:
الأول: ازدراء المحسود .
والثاني: إعجاب الحاسد بنفسه ،كما قال إبليس معللاً لامتناعه من السجود:{أَنَاْ خَيْرٌ منْهُ} .
ثم فصل معنى الخيرية المزعومة بقوله:{خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} ،ويلحق بذلك جميع الأسباب .
وقد ذكروا منها التعزز في نفسه ،ولا يريد لأحد أن يرتفع عليه ،والتعجب بأن يعجب بنفسه ،ولا يرى أحدًا أولى منه ،والخوف من فوات المقاصد عند شخص إذا رآه سيستغني عنه ،وحب الرئاسة ممن لا يريد لأحد أن يتقدم عليه في أي فن أو مجال .
وذكرها الرازي نقلاً عن الغزالي .
ومن هنا لا نرى معجباً بنفسه قط ،إلا ويزدري الآخرين ويحسدهم على أدنى نعمة أنعمها الله عليهم .عافانا الله من ذلك .
تنبيه
إذا كانت أول معصية وقعت هي حسد إبليس لأبينا آدم على ما أنعم الله به عليه ،وجاء حسد المشركين لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على نعمة الوحي ،وحسد أهل الكتاب للمسلمين على نعمة الإسلام ،وجاءت هذه السورة في أواخر القرآن ،فكأنها جاءت في أعقاب القرآن لتذكر المسلمين بعظم نعمته عليهم ،وشدة حسدهم عليه ،ليحذروا أعداءهم الذين يكيدون لهم في دينهم ،من كل من الجنة والناس ،على ما سيأتي في السورة بعدها والأخيرة ،إن شاء اللَّه .
مسألة في حكم من قتل أو كسر أو أتلف شيئاً بالعين
تقدم بيان ذلك في حق السحر ،أما في حق العين ،فقد قال ابن حجر في فتح الباري في كتاب الطب ما نصه: وقد اختلف في جريان القصاص بذلك ،يعني بالعين .
فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئاً ضمنه ،لو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه ،بحيث يصير عادة ،وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفراً .ا ه .
ولم يتعرض الشافعية للقصاص في ذلك ؛بل منعوه ،وقالوا: إنه لا يقتل غالباً ،ولا يعد مهلكاً .
وقال النووي في الروضة: ولا دية فيه ،ولا كفارة ؛لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال ،مما لا انضباط له ،كيف ولم يقع منه فعل أصلاً ،وإنما غايته حسد وتمن لزوال نعمة .
وأيضاً ،فالذي ينشأ عن الإصابة بالعين حصوله مكروه لذلك الشخص ،ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة ،فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين .ا ه .
ولا يعكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر ،فإنه في معناه ،والفرق بينهما عسير .
ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم: أنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس ،وأنه يلزمه بيته ،فإن كان فقيراً رزقه ما يقوم به ،فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه من مخالطة الناس ،وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة .
قال النووي: وهذا القول صحيح متعين ،لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه .ا ه .من فتح الباري .
وبتأمل قول القرطبي والنووي بدقة ،لا يوجد بينهما خلاف في الأصل ،إذ القرطبي يقيد كلامه بما يتكرر منه بحيث يصير عادة له .
والنووي يقول: إنه لا يقتل غالباً ،وعليه فلو ثبت أنه يقتل غالباً وتكرر ذلك منه ،فإنه يتفق مع كلام القرطبي تماماً في أن من أتلف بعينه ،وكان معتاداً منه ذلك فهو ضامن ،وهذا معقول المعنى ،والله تعالى أعلم .
وعند الحنابلة في كشاف القناع ما نصه: والمعيان الذي يقتل بعينه .
قال ابن نصر الله في حواشي الفروع: ينبغي أن يلحق بالساحر الذي يقتل بسحره غالباً ،فإذا كانت عينه يستطيع القتل بها ،ويفعله باختياره ،وجب به القصاص ا ه .
مسألة بيان ما تعالج به العين
لما كان الحسد أضر ما يكون على الإنسان ،والإصابة بالعين حق لا شك فيها ،وجاء فيها:"لو أن شيئاً يسبق القدر لسبقته العين ".
وحديث:"إن العين لحق "،فقد فصلت السنة كيفية اتقائها قبل وقوعها ،والعلاج منها إذا وقعت .
وذلك فيما رواه مالك في الموطأ وغيره من الصحاح ،في حديث سهل بن حنيف ،وبوب البخاري في صحيحه باب رقية العين ،وذكر حديث عائشة أنها قالت:"أمرني النَّبي صلى الله عليه وسلم ،أو أمر أن يسترقي من العين ".
وعقد مالك في الموطأ باباً بعنوان"الوضوء من العين "،وباب آخر بعده بعنوان"الرقية من العين "،وساق حديث سهل بتمامه ،وفيه بيان كيفية اتقائها وعلاجها ،ولذا نكتفي بإيراده لشموله .
قال: عن محمد بن أبي أسامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بالحرار ،فنزع جبة كانت عليه ،وعامر بن ربيعة ينظر ،قال: وكان سهل رجلاً أبيض حسن الجلد ،قال: فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ،ولا جلد عذراء ،قال: فوعك سهل مكانه ،واشتد وعكه ،فأُوتي رسول الله فأخبروه أن سهلاً وعك ،وأنه غير رائح معك يا رسول الله ،فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل بالذي كان من أمر عامر ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"علام يقتل أحدكم أخاه ،ألا بركت ،إن العين حق ،توضأ له ،فتوضأ له عامر ،فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ليس به بأس ".
وساق مرة أخرى وفيه ،فقال صلى الله عليه وسلم: "هل تتهمون له أحداً ؟قالوا: نتهم عامر بن ربيعة ،قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامراً فتغيظ عليه ،وقال:"علام يقتل أحدكم أخاه ،ألا بركت ،اغتسل له "،فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه ،وداخل إزاره في قدح ثم صب عليه ،فراح سهل مع الناس ،ليس به بأس ".
فهذه القصة تثبت قطعاً وقوع العين ،وهذا أمر مجمع عليه من أهل السنة وسلف الأمة ،كما أنها ترشد إلى أن من برك ،أي قال: تبارك اللَّه .
وفي بعض الروايات لغير مالك: هلا كبَّرت ،أي يقول: الله أكبر ثلاثاً ،فإن ذلك يرد عين العائن .
كما جاء في السنة"أن الدعاء يرد البلاء "،فإذا لم تدفع عند صدورها وأصابت ،فإن العلاج منها كما جاء هنا توضأ له ،واللفظ الآخر:"اغتسل له ".
وقد فصل المراد بالغسل له: أنه غسل الوجه واليدين ،أي الكفين فقط ،والمرفقين والركبتين والقدمين وطرف الإزار الداخلي ،ويكون ذلك في إناء لا يسقط الماء على الأرض ،ويفرغ هذا الماء على المصاب من الخلف ،ويكفأ الإناء خلفه .
وقد ذكرها مفصلة القاضي الباجي في شرح الموطأ فقال: وروي عن يحيى بن يحيى ،عن ابن نافع في معنى الوضوء الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يغسل الذي يتهم بالرجل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه ورجليه ،وداخلة إزاره ،وقال: ولا يغسل ما بين اليد والمرفق ،أي لا يغسل الساعد من اليد .
وروي عن الزهري أنه قال: الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه: أن يؤتى العائن بقدح فيه ماء ،فيمسك مرتفعاً من الأرض ،فيدخل فيه كفه فيمضمض ،ثم يمجه في القدح ،ثم يغسل وجهه في القدح صبة واحدة ،ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على كفه اليمنى ،ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ظهر كفه اليسرى صبة واحدة ،ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفقه الأيمن ،ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه الأيسر ،ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على قدمه اليمنى ،ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على قدمه الأيسر ،ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على ركبته اليمنى ،ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ركبته اليسرى ،كل ذلك في قدح ،ثم يدخل داخلة إزاره في القدح ولا يوضع القدح في الأرض ،فيصب على رأس المعين من خلفه صبة واحدة .وقيل: يغتفل ،ويصب عليه ،أي في حالة غفلته ،ثم يكفأ القدح على ظهر الأرض وراءه .
وأما داخلة إزاره: فهو الطرف المتدلي الذي يفضي من مأزره إلى جلده مكانه ،إنما يمر بالطرف الأيمن على الأيسر ،حتى يشده بذلك الطرف المتدلي الذي يكون من داخل .ا ه .
ومما يرشد إليه هذا الحديث تغيظه صلى الله عليه وسلم على عامر بن ربيعة .
وقوله صلى الله عليه وسلم:"علام يقتل أحدكم أخاه "،مما يبيِّن شناعة هذا العمل ،وأنه قد يقتل .
ومما ينبغي مراعاته من كل من الطرفين من ابتلى بالعين ،فليبارك عند رؤيته ما يعجبه لئلا يصيب أحداً بعينه ،ولئلا تسبقه عينه .
وكذلك من اتهم أحداً بالعين ،فليكبر ثلاثاً عند تخوفه منه .فإن الله يدفع العين بذلك .والحمد للَّه .
وقد ذكروا للحسد دواء كذلك ،أي يداوي به الحاسد نفسه ليستريح من عناء الحسد المتوقد في قلبه المنغض عليه عيشه ،الجالب عليه حزنه ،وهو على سبيل الإجمال في أمرين: العلم ثم العمل .
والمراد بالعلم هو أن يعلم يقيناً أن النعمة التي يراها على المحسود ،إنما هي عطاء من الله بقدر سابق وقضاء لازم ،وأن حسده إياه عليها لا يغير من ذلك شيئاً ،ويعلم أن ضرر الحسد يعود على الحاسد وحده في دينه ،لعدم رضائه بقدر الله ،وقسمته لعباده ؛لأنه في حسده كالمعترض على قوله تعالى:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ معِيشَتَهُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ،وفي دنياه ؛لأنه يورث السقام والأحزان والكآبة ونفرة الناس منه ،ومقتهم إياه ،ومن وراء هذا وذاك العقاب في الآخرة .
أما العمل فهو مجاهدة نفسه ضد نوازع الحسد ،كما تقدمت الإشارة إليه في الأسباب ،فإذا رأى ذا نعمة فازدرته عينه ،فليحاول أن يقدره ويخدمه .
وإن راودته نفسه بالإعجاب بنفسه ،ردها إلى التواضع ،وإظهار العجز والافتقار .
وإن سوّلت له نفسه تمني زوال النعمة عن غيره ،صرف ذلك إلى تمني مثلها لنفسه .وفضل الله عظيم .
وإن دعاه الحسد إلى الإساءة إلى المحسود ،سعى إلى الإحسان إليه ،وهكذا فيسلم من شدة الحسد ،ويسلم غيره من شره .
وكما في الأثر:"المؤمن يغبط ،والمنافق يحسد ".
نسأل الله العافية والمعافاة .