وقوله تعالى:( بديع السماوات والأرض ) أي:خالقهما على غير مثال سبق ، قال مجاهد والسدي:وهو مقتضى اللغة ، ومنه يقال للشيء المحدث:بدعة . كما جاء في الصحيح لمسلم:"فإن كل محدثة بدعة [ وكل بدعة ضلالة] ". والبدعة على قسمين:تارة تكون بدعة شرعية ، كقوله:فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة . وتارة تكون بدعة لغوية ، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم:نعمت البدعة هذه .
وقال ابن جرير:وبديع السماوات والأرض:مبدعهما . وإنما هو مفعل فصرف إلى فعيل ، كما صرف المؤلم إلى الأليم ، والمسمع إلى السميع . ومعنى المبدع:المنشئ والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد .
قال:ولذلك سمي المبتدع في الدين مبتدعا ; لإحداثه فيه ما لم يسبق إليه غيره ، وكذلك كل محدث فعلا أو قولا لم يتقدمه فيه متقدم ، فإن العرب تسميه مبتدعا . ومن ذلك قول أعشى ثعلبة ، في مدح هوذة بن علي الحنفي:
يدعى إلى قول سادات الرجال إذا أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا
أي:يحدث ما شاء .
قال ابن جرير:فمعنى الكلام:فسبحان الله أنى يكون لله ولد ، وهو مالك ما في السماوات والأرض ، تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانية ، وتقر له بالطاعة ، وهو بارئها وخالقها وموجدها من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه . وهذا إعلام من الله عباده أن ممن يشهد له بذلك المسيح ، الذي أضافوا إلى الله بنوته ، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال ، هو الذي ابتدع المسيح عيسى من غير والد بقدرته .
وهذا من ابن جرير ، رحمه الله ، كلام جيد وعبارة صحيحة .
وقوله تعالى:( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه ، وأنه إذا قدر أمرا وأراد كونه ، فإنما يقول له:كن . أي:مرة واحدة ، فيكون ، أي:فيوجد على وفق ما أراد ، كما قال تعالى:( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) [ يس:82] وقال تعالى:( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ النحل:40] وقال تعالى:( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) [ القمر:50] ، وقال الشاعر:
إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له كن قولة فيكون
ونبه تعالى بذلك أيضا على أن خلق عيسى بكلمة:كن ، فكان كما أمره الله ، قال [ الله] تعالى:( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) [ آل عمران:59] .