{ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}قول الإرادة لا قول الكلمة ،على هدى ما جاء في دعاء الإمام زين العابدين ( ع ) في الصحيفة السجادية: «فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة ،وبإرادتك دون نهيك منزجرة » .
وقد جاء المفسرون ليناقشوا الوجه في تفسير قوله تعالى:{ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}وذلك من منطلق القاعدة الفلسفية التي تمنع من مخاطبة المعدوم ؛فكيف يخاطب اللّه الشيء قبل وجوده ليطلب منه أن يوجد ؟!فقال بعضهم: إنه بمنزلة التمثيل ؛وقال بعض آخر: إنه رمز بين اللّه وبين الملائكة في الدلالة على أنَّ هناك شيئاً جديداً قد خلق ؛وقال آخرون: إنَّ المعدوم لما كان معلوماً عند اللّه صار كالموجود ..
والذي يبدو لنا ،أنَّ إثارة هذه المشكلة في وعي هؤلاء ينطلق من محاولة تفسير القرآن في كلماته ،تفسيراً حرفياً يستنطق الكلمة من خلال معناها اللغوي من دون ملاحظةٍ للجانب البلاغي الذي تتّسع له اللغة العربية في مرونتها التعبيرية التي تشتمل على الحقيقة والمجاز والكناية ،وهذا ما درج عليه القرآن الكريم في توضيح الصورة للنّاس بطريقة الحوار ،لأنها أقرب الوسائل في الإيضاح ،كما ورد في قوله تعالى:{ فَقَالَ لَهَا وَللأرضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ}[ فصلت:11] وقوله تعالى:{ إِنَّا عَرَضْنَا الاَْمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[ الأحزاب:72] وغير ذلك من الآيات ،فلن نحتاج إلى مثل هذا التكلف في توجيه الآية ،بل الظاهر أنها واردة على سبيل تقريب الفكرة بطريقة الحوار .
معنى «كن فيكون »:
ولا بُدَّ من الملاحظة في حكمة «كن فيكون » ،فقد يخيّل إلى البعض أنَّ المقصود هو أنَّ الشيء يوجد فوراً إذا أراد اللّه وجوده ،ولكن ذلك غير المراد ،لأنَّ بعض الأشياء قد تكون لها شروط توجب تأخيرها ،ولذلك فإنَّ المقصود هنا ،أنَّ مراد اللّه لا يختلف عن إرادته ،فإذا أراد اللّه للإنسان أن يوجد بعد تسعة أشهر من الحمل ،فهو الذي يتحقّق لا وجوده كيفما كان .