{ وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّه وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ* بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} .في هاتين الآيتين معالجة ومناقشة للفكرة الخاطئة التي سيطرت على تفكير اليهود والنصارى والمشركين عن علاقة اللّه ببعض مخلوقاته ،فقد حكى لنا القرآن في آيات لاحقة أنَّ اليهود يعتقدون أنَّ عزيراً ابن اللّه ،وأنَّ النصارى يعتقدون أنَّ المسيح ابن اللّه ،كما حكى لنا عن المشركين أنهم يرون الملائكة بنات اللّه ؛ولعلّ السرّ في هذه العقائد هو استغراقهم في صفات العظمة لهذه المخلوقات ،من خلال ما لاحظوه من قيامهم ببعض الأعمال التي قد لا يستطيعها غيرهم ،أو ما اعتقدوه فيهم من قدرتهم على الأشياء التي لا يقدر عليها الآخرون ،ما أوحى إليهم بأنهم يمتازون على المخلوقات الأخرى ،لأنَّ فيهم سرّاً ليس موجوداً فيها ،ولولا اعتقادهم بوحدانية اللّه في الوجود ،لخُيّل إليهم أنهم شركاء اللّه في الألوهية ،ولكنَّهم وضعوهم في مرتبةٍ قريبةٍ منه بالمستوى الذي يجعلهم أقرب من غيرهم ،وهل هناك قرابة أقرب من علاقة الإنسان بأولاده ؟!إذاً فلا بُدَّ أن يكونوا أبناء اللّه ،ليكون ذلك مبرِّراً لهذا الامتياز الذي منحهم إياه ،وهكذا انطلقت هذه العقيدة في تاريخ هذه الشعوب في تعقيد فكري لدى البعض ،وفي سذاجة فكرية لدى البعض الآخر .
{ وَقَالُواْ}أي اليهود والنصارىوقد يشمل مشركي العرب{ اتَّخَذَ اللّه وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}كما يتخذ الإنسان ولداً ليأنس ويقوى به ،فيمنحه الامتيازات الكبرى التي لا يمنحها لغيره ،فتكون له القداسة التي قد تبلغ درجة الألوهية .وجاء القرآن ليناقش هذه العقيدة ببساطة ،فبدأ الحديث بالتسبيح والتنزيه للّه ،وذلك بكلمة{ سُبْحَانَهُ}أي تنزيهاً له عن هذه العلاقات ،لأنها تعني الحاجة ،باعتبار أنَّ البنوّة تمثّل في وعي الآباء تلبيةً لرغبةٍ ذاتية ،كنتيجةٍ للشعور بالفراغ الداخلي من هذه الجهة ،كما تمثّل الحاجة إلى المرور بمراحل زمنية وعملية ،في سبيل الوصول إلى هذه النتيجة ،لو أريد للنسبة أن تتحقّق بشكل طبيعي كما تتحقّق في سائر الأشياء ،وهذا يعني العجز إلى جانب الحاجة ،مما يستحيل على اللّه ويتنزه عنه .
ثُمَّ يناقش القضية من موقع الحقيقة الإيمانية التوحيدية ،{ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}مطيعون خاشعون ،فلا يملك أحدٌ منهم أيّ تفوّقٍ ذاتي في نفسه ،أو أية علاقة باللّه تميّزه عن العلاقة بالآخر من حيث طبيعة الخلق .فما حاجة اللّه إلى الولد ،وهو مالك السَّماوات والأرض وما فيهما من مخلوقات ،ولكلٍّ من هذه المخلوقات خصائص وميزات ،ولكنّها لا تخرج بذلك عن مملوكيتها ومخلوقيتها للّه ،من دون أن يكون أحد منها أقرب من الآخر من حيث جهة الملك أو الخلق ،أو يكون انتسابها إلى اللّه بمستوى أعلى من الآخر ،وأضاف إلى ذلك أنه:{ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ}ومنشئها من خلال إرادته التي لا تتخلّف في كلّ شيء يريده ،من دون حاجة إلى توسط شيء بين الإرادة والمراد ،فإذا أراد شيئاً خَلَقَهُ .