ولما وصفهم [ الله] تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال:( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون )
وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ".
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما منكم من أحد إلا وله منزلان:منزل في الجنة ومنزل في النار ، فإن مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله ، فذلك قوله:( أولئك هم الوارثون ) .
وقال ابن جريج ، عن ليث ، عن مجاهد:( أولئك هم الوارثون ) قال:ما من عبد إلا وله منزلان:منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فأما المؤمن فيبنى بيته الذي في الجنة ، ويهدم بيته الذي في النار ، وأما الكافر فيهدم بيته الذي في الجنة ، ويبنى بيته الذي في النار . وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك .
فالمؤمنون يرثون منازل الكفار ; لأنهم [ كلهم] خلقوا لعبادة الله تعالى ، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة ، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل ، بل أبلغ من هذا أيضا ، وهو ما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال ، فيغفرها الله لهم ، ويضعها على اليهود والنصارى ".
وفي لفظ له:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهوديا أو نصرانيا ، فيقال:هذا فكاكك من النار ". فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ، ثلاث مرات ، أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:فحلف له . قلت:وهذه الآية كقوله تعالى:( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) [ مريم:63] ، وكقوله:( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) [ الزخرف:73] . وقد قال مجاهد ، وسعيد بن جبير:الجنة بالرومية هي الفردوس .
وقال بعض السلف:لا يسمى البستان فردوسا إلا إذا كان فيه عنب ، فالله أعلم .