يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله عيسى ابن مريم ، عليهما السلام ، أنه جعلهما آية للناس:أي حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء ، فإنه خلق آدم من غير أب ولا أم ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر ، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى .
وقوله:( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قال الضحاك ، عن ابن عباس:الربوة:المكان المرتفع من الأرض ، وهو أحسن ما يكون فيه النبات . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وقتادة .
قال ابن عباس:وقوله:( ذات قرار ) يقول:ذات خصب ) ومعين ) يعني:ماء ظاهرا .
وقال مجاهد:ربوة مستوية .
وقال سعيد بن جبير:( ذات قرار ومعين ):استوى الماء فيها . وقال مجاهد ، وقتادة:( ومعين ):الماء الجاري .
ثم اختلف المفسرون في مكان هذه الربوة في أي أرض [ الله] هي ؟ فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:ليس الربى إلا بمصر . والماء حين يرسل يكون الربى عليها القرى ، ولولا الربى غرقت القرى .
وروي عن وهب بن منبه نحو هذا ، وهو بعيد جدا .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى:( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) ، قال:هي دمشق .
قال:وروي عن عبد الله بن سلام ، والحسن ، وزيد بن أسلم ، وخالد بن معدان نحو ذلك .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس:( ذات قرار ومعين ) قال:أنهار دمشق . وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد:( وآويناهما إلى ربوة [ ذات قرار ومعين] ) ، قال:عيسى ابن مريم وأمه ، حين أويا إلى غوطة دمشق وما حولها .
وقال عبد الرزاق ، عن بشر بن رافع ، عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة ، قال:سمعت أبا هريرة يقول:في قوله:( إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قال:هي الرملة من فلسطين .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ، حدثنا رواد بن الجراح ، حدثنا عباد بن عباد الخواص أبو عتبة ، حدثنا السيباني ، عن ابن وعلة ، عن كريب السحولي ، عن مرة البهزي قال:سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لرجل:"إنك ميت بالربوة "فمات بالرملة . وهذا حديث غريب جدا .
وأقرب الأقوال في ذلك ما رواه العوفي ، عن ابن عباس في قوله:( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) ، قال:المعين الماء الجاري ، وهو النهر الذي قال الله تعالى:( قد جعل ربك تحتك سريا ) [ مريم:24] .
وكذا قال الضحاك ، وقتادة:( إلى ربوة ذات قرار ومعين ):هو بيت المقدس . فهذا والله أعلم هو الأظهر; لأنه المذكور في الآية الأخرى . والقرآن يفسر بعضه بعضا . وهو أولى ما يفسر به ، ثم الأحاديث الصحيحة ، ثم الآثار .