ثم قال الله مخبرا عن عدله ، وأنه لا يهلك أحدا ظالما له ، وإنما يهلك من أهلك بعد قيام الحجة عليهم ، ولهذا قال:( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها ) وهي مكة ( رسولا يتلو عليهم آياتنا ) . فيه دلالة على أن النبي الأمي ، وهو محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، المبعوث من أم القرى ، رسول إلى جميع القرى ، من عرب وأعجام ، كما قال تعالى:( لتنذر أم القرى ومن حولها ) [ الشورى:7] ، وقال تعالى:( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف:158] ، وقال:( لأنذركم به ومن بلغ ) [ الأنعام:19] ، وقال:( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) [ هود:17] . وتمام الدليل [ قوله] ( وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا ) [ الإسراء:58] . فأخبر أنه سيهلك كل قرية قبل يوم القيامة ، وقد قال:( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء:15] . فجعل تعالى بعثة النبي الأمي شاملة لجميع القرى ; لأنه مبعوث إلى أمها وأصلها التي ترجع إليها . وثبت في الصحيحين عنه ، صلوات الله وسلامه عليه ، أنه قال:"بعثت إلى الأحمر والأسود ". ولهذا ختم به الرسالة والنبوة ، فلا نبي بعده ولا رسول ، بل شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة .
وقيل:المراد بقوله:( حتى يبعث في أمها ) أي:أصلها وعظيمتها ، كأمهات الرساتيق والأقاليم . حكاه الزمخشري وابن الجوزي ، وغيرهما ، وليس ببعيد .