ثم قال تعالى آمرا رسوله والمؤمنين بتلاوة القرآن ، وهو قراءته وإبلاغه للناس:( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) يعني:أن الصلاة تشتمل على شيئين:على ترك الفواحش والمنكرات ، أي:إن مواظبتها تحمل على ترك ذلك . وقد جاء في الحديث من رواية عمران ، وابن عباس مرفوعا:"من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم تزده من الله إلا بعدا ".
[ ذكر الآثار الواردة في ذلك]:
قال ابن أبي حاتم:حدثنا محمد بن هارون المخرمي الفلاس ، حدثنا عبد الرحمن بن نافع أبو زياد ، حدثنا عمر بن أبي عثمان ، حدثنا الحسن ، عن عمران بن حصين قال:سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله:( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) قال:"من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، فلا صلاة له ".
وحدثنا علي بن الحسين ، حدثنا يحيى بن أبي طلحة اليربوعي حدثنا أبو معاوية ، عن ليث ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم يزدد بها من الله إلا بعدا ". ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية .
وقال ابن جرير:حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن العلاء بن المسيب ، عمن ذكره ، عن ابن عباس في قوله:( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) قال:فمن لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر ، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا . فهذا موقوف
. قال ابن جرير:وحدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر ". قال:وقال سفيان:( قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك ) [ هود:87] قال:فقال سفيان:أي والله ، تأمره وتنهاه .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن عبد الله قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال أبو خالد مرة:عن عبد الله -:"لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ، وطاعة الصلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر ".
والموقوف أصح ، كما رواه الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال:قيل لعبد الله:إن فلانا يطيل الصلاة ؟ قال:إن الصلاة لا تنفع إلا من أطاعها .
وقال ابن جرير:قال علي:حدثنا إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر ، لم يزدد بها من الله إلا بعدا ".
والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن وقتادة ، والأعمش وغيرهم ، والله أعلم .
وقال الحافظ أبو بكر البزار:حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا جرير - يعني ابن عبد الحميد - عن الأعمش ، عن أبي صالح قال:أراه عن جابر - شك الأعمش - قال:قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -:إن فلانا يصلي فإذا أصبح سرق ، قال:"سينهاه ما يقول ".
وحدثنا محمد بن موسى الحرشي حدثنا زياد بن عبد الله ، عن الأعمش عن أبي صالح ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه - ولم يشك - ثم قال:وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن الأعمش واختلفوا في إسناده ، فرواه غير واحد عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أو غيره ، وقال قيس عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، وقال جرير وزياد:عن عبد الله ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن جابر .
وقال الإمام أحمد:حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش قال:أنبأنا أبو صالح عن أبي هريرة قال:جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:إن فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق ؟ فقال:"إنه سينهاه ما يقول ".
وتشتمل الصلاة أيضا على ذكر الله تعالى ، وهو المطلوب الأكبر ; ولهذا قال تعالى:( ولذكر الله أكبر ) أي:أعظم من الأول ، ( والله يعلم ما تصنعون ) أي:يعلم جميع أقوالكم وأعمالكم .
وقال أبو العالية في قوله:( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ، قال:إن الصلاة فيها ثلاث خصال ، فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة:الإخلاص ، والخشية ، وذكر الله . فالإخلاص يأمره بالمعروف ، والخشية تنهاه عن المنكر ، وذكر القرآن يأمره وينهاه .
وقال ابن عون الأنصاري:إذا كنت في صلاة فأنت في معروف ، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر ، والذي أنت فيه من ذكر الله أكبر .
وقال حماد بن أبي سليمان:( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) يعني:ما دمت فيها .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله:( ولذكر الله أكبر ) ، يقول:ولذكر الله لعباده أكبر ، إذا ذكروه من ذكرهم إياه .
وكذا روى غير واحد عن ابن عباس . وبه قال مجاهد ، وغيره .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن داود بن أبي هند ، عن رجل ، عن ابن عباس:( ولذكر الله أكبر ) قال:ذكر الله عند طعامك وعند منامك . قلت:فإن صاحبا لي في المنزل يقول غير الذي تقول:قال:وأي شيء يقول ؟ قلت:قال:يقول الله:( فاذكروني أذكركم ) [ البقرة:152] ، فلذكر الله إيانا أكبر من ذكرنا إياه . قال:صدق .
قال:وحدثنا أبي ، حدثنا النفيلي ، حدثنا إسماعيل ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله:( ولذكر الله أكبر ) قال:لها وجهان ، قال:ذكر الله عندما حرمه ، قال:وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه .
وقال ابن جرير:حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن ربيعة قال:قال لي ابن عباس:هل تدري ما قوله تعالى:( ولذكر الله أكبر ) ؟ قال:قلت:نعم . قال:فما هو ؟ قلت:التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة ، وقراءة القرآن ، ونحو ذلك . قال:لقد قلت قولا عجبا ، وما هو كذلك ، ولكنه إنما يقول:ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه إذا ذكرتموه ، أكبر من ذكركم إياه
. وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس . وروي أيضا عن ابن مسعود ، وأبي الدرداء ، وسلمان الفارسي ، وغيرهم . واختاره ابن جرير .