ثم قال تعالى - مسليا للمسلمين عما كان وقع في نفوسهم يوم أحد -:( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير ) قيل:معناه:كم من نبي قتل وقتل معه ربيون من أصحابه كثير . وهذا القول هو اختيار ابن جرير ، فإنه قال:وأما الذين قرءوا:( قتل معه ربيون كثير ) فإنهم قالوا:إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم ، وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقي من الربيين ممن لم يقتل .
قال:ومن قرأ ( قاتل ) فإنه اختار ذلك لأنه قال:لو قتلوا لم يكن لقوله:( فما وهنوا ) وجه معروف ، لأنهم يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا .
ثم اختار قراءة من قرأ ( قتل معه ربيون كثير ) ، لأن الله [ تعالى] عاتب بهذه الآيات والتي قبلها من انهزم يوم أحد ، وتركوا القتال أو سمعوا الصائح يصيح:"إن محمدا قد قتل ". فعذلهم الله على فرارهم وتركهم القتال فقال لهم:( أفإن مات أو قتل ) أيها المؤمنون ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم ؟ .
وقيل:وكم من نبي قتل بين يديه من أصحابه ربيون كثير .
وكلام ابن إسحاق في السيرة يقتضي قولا آخر ، [ فإنه] قال:أي وكأين من نبي أصابه القتل ، ومعه ربيون ، أي:جماعات فما وهنوا بعد نبيهم ، وما ضعفوا عن عدوهم ، وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم ، وذلك الصبر ، ( والله يحب الصابرين ) .
فجعل قوله:( معه ربيون كثير ) حالا وقد نصر هذا القول السهيلي وبالغ فيه ، وله اتجاه لقوله:( فما وهنوا لما أصابهم ) الآية ، وكذلك حكاه الأموي في مغازيه ، عن كتاب محمد بن إبراهيم ، ولم يقل غيره .
وقرأ بعضهم:( قاتل معه ربيون كثير ) قال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود ( ربيون كثير ) أي:ألوف .
وقال ابن عباس ، ومجاهد وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، والربيع ، وعطاء الخراساني:الربيون:الجموع الكثيرة .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر عن الحسن:( ربيون كثير ) أي:علماء كثير ، وعنه أيضا:علماء صبر أبرار أتقياء .
وحكى ابن جرير ، عن بعض نحاة البصرة:أن الربيين هم الذين يعبدون الرب ، عز وجل ، قال:ورد بعضهم عليه قال:لو كان كذلك لقيل ربيون ، بفتح الراء .
وقال ابن زيد:"الربيون:الأتباع ، والرعية ، والربابيون:الولاة .
( فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا ) قال قتادة والربيع بن أنس:( وما ضعفوا ) بقتل نبيهم ( وما استكانوا ) يقول:فما ارتدوا عن نصرتهم ولا عن دينهم ، أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله .
وقال ابن عباس ( وما استكانوا ) تخشعوا . وقال السدي وابن زيد:وما ذلوا لعدوهم .
وقال محمد بن إسحاق ، وقتادة والسدي:أي ما أصابهم ذلك حين قتل نبيهم .
( والله يحب الصابرين)