ثم قال:( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ) أي:من مات على الكفر فلن يقبل منه خير أبدا ، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا فيما يراه قربة ، كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان - وكان يقري الضيف ، ويفك العاني ، ويطعم الطعام -:هل ينفعه ذلك ؟ فقال:لا ، إنه لم يقل يوما من الدهر:رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين .
وكذلك لو افتدى بملء الأرض أيضا ذهبا ما قبل منه ، كما قال تعالى:( ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ) [ البقرة:123] ، [ وقال ( لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة )] [ البقرة:254] وقال:( لا بيع فيه ولا خلال ) [ إبراهيم:31] وقال ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ) [ المائدة:36] ، ولهذا قال تعالى هاهنا:( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ) فعطف ( ولو افتدى به ) على الأول ، فدل على أنه غيره ، وما ذكرناه أحسن من أن يقال:إن الواو زائدة ، والله أعلم . ويقتضي ذلك ألا ينقذه من عذاب الله شيء ، ولو كان قد أنفق مثل الأرض ذهبا ، ولو افتدى نفسه من الله بملء الأرض ذهبا ، بوزن جبالها وتلالها وترابها ورمالها وسهلها ووعرها وبرها وبحرها .
وقال الإمام أحمد:حدثنا حجاج ، حدثني شعبة ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة:أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء ، أكنت مفتديا به ؟ قال:فيقول:نعم . قال:فيقول:قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم ألا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك ". وهكذا أخرجاه البخاري ومسلم .
طريق أخرى:قال الإمام أحمد:حدثنا روح ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له:يا ابن آدم ، كيف وجدت منزلك ؟ فيقول:أي رب ، خير منزل . فيقول:سل وتمن . فيقول:ما أسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرار - لما يرى من فضل الشهادة . ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول له:يا ابن آدم ، كيف وجدت منزلك ؟ فيقول:يا رب ، شر منزل . فيقول له:تفتدي مني بطلاع الأرض ذهبا ؟ فيقول:أي رب ، نعم . فيقول:كذبت ، قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل ، فيرد إلى النار ".
ولهذا قال:( أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين ) أي:وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله ، ولا يجيرهم من أليم عقابه .