وقوله:( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ) أي:جعلها لكم من قتلكم لهم ( وأرضا لم تطئوها ) قيل:خيبر . وقيل:مكة . رواه مالك ، عن زيد بن أسلم . وقيل:فارس والروم . وقال ابن جرير:يجوز أن يكون الجميع مرادا .
( وكان الله على كل شيء قديرا ):قال الإمام أحمد:حدثنا يزيد ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبيه ، عن جده علقمة بن وقاص قال:أخبرتني عائشة قالت:خرجت يوم الخندق أقفو الناس ، فسمعت وئيد الأرض ورائي ، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه ، قالت:فجلست إلى الأرض ، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منه أطرافه ، فأنا أتخوف على أطراف سعد ، قالت:وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم ، فمر وهو يرتجز ويقول:
لبث قليلا يشهد الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت:فقمت فاقتحمت حديقة ، فإذا فيها نفر من المسلمين ، وإذا فيها عمر بن الخطاب ، وفيهم رجل عليه تسبغة له - تعني المغفر - فقال عمر:ما جاء بك ؟ لعمري والله إنك لجريئة ، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز . قالت:فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت بي ساعتئذ ، فدخلت فيها ، فرفع الرجل التسبغة عن وجهه ، فإذا هو طلحة بن عبيد الله فقال:يا عمر ، ويحك ، إنك قد أكثرت منذ اليوم ، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله تعالى ؟ قالت:ويرمي سعدا رجل من قريش ، يقال له ابن العرقة بسهم ، وقال له:خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فقطعه ، فدعا الله سعد فقال:اللهم ، لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة . قالت:وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية ، قالت:فرقأ كلمه ، وبعث الله الريح على المشركين ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا . فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد ، قالت:فجاءه جبريل ، عليه السلام ، وإن على ثناياه لنقع الغبار ، فقال:أوقد وضعت السلاح ؟ لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح ، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم . قالت:فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ، وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا ، [ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم] فمر على بني غنم وهم جيران المسجد حوله فقال:ومن مر بكم ؟ قالوا:مر بنا دحية الكلبي - وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل ، عليه الصلاة والسلام ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما اشتد حصارهم واشتد البلاء قيل لهم:انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر ، فأشار إليهم أنه الذبح . قالوا:ننزل على حكم سعد بن معاذ [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انزلوا على حكم سعد بن معاذ ". فنزلوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ] فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه ، وحف به قومه ، فقالوا:يا أبا عمرو ، حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ، ومن قد علمت ، قالت:ولا يرجع إليهم شيئا ، ولا يلتفت إليهم ، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال:قد آن لي ألا أبالي في الله لومة لائم . قال:قال أبو سعيد:فلما طلع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ". فقال عمر:سيدنا الله . قال:"أنزلوه ". فأنزلوه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"احكم فيهم ". قال سعد:فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبي ذراريهم ، وتقسم أموالهم ، فقال رسول الله:"لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله ". ثم دعا سعد فقال:اللهم ، إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا ، فأبقني لها . وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم ، فاقبضني إليك . قال:فانفجر كلمه ، وكان قد برئ منه إلا مثل الخرص ، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله .
قالت عائشة:فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمر قالت:فوالذي نفس محمد بيده ، إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر ، وأنا في حجرتي . وكانوا كما قال الله تعالى:( رحماء بينهم ) .
قال علقمة:فقلت:أي أمه ، فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ؟ قالت:كانت عينه لا تدمع على أحد ، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته .
وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة نحوا من هذا ، ولكنه أخصر منه ، وفيه دعاء سعد ، رضي الله عنه .