قال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عثمان بن حكيم ، حدثنا عبد الرحمن بن شيبة ، سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول:قلت للنبي صلى الله عليه وسلم:ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال ؟ قالت:فلم يرعني منه ذات يوم إلا ونداؤه على المنبر ، قالت ، وأنا أسرح شعري ، فلففت شعري ، ثم خرجت إلى حجرة من حجر بيتي ، فجعلت سمعي عند الجريد ، فإذا هو يقول عند المنبر:"يا أيها الناس ، إن الله يقول:( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات "إلى آخر الآية
وهكذا رواه النسائي وابن جرير ، من حديث عبد الواحد بن زياد ، به مثله
طريق أخرى عنها:قال النسائي أيضا:حدثنا محمد بن حاتم ، حدثنا سويد ، أخبرنا عبد الله بن شريك ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أم سلمة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:يا نبي الله ، ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن ، والنساء لا يذكرن ؟ فأنزل الله ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات )
وقد رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن أبي معاوية ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة:أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، حدثه عن أم سلمة ، رضي الله عنها ، قالت:قلت:يا رسول الله ، أيذكر الرجال في كل شيء ولا نذكر ؟ فأنزل الله:( إن المسلمين والمسلمات ) الآية
طريق أخرى:قال سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال:قالت أم سلمة:يا رسول الله ، يذكر الرجال ولا نذكر ؟ فأنزل الله:( إن المسلمين والمسلمات ) الآية
حديث آخر:قال ابن جرير:حدثنا أبو كريب قال:حدثنا سيار بن مظاهر العنزي حدثنا أبو كدينة يحيى بن المهلب ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال:قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم:ما له يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات ؟ فأنزل الله:( إن المسلمين والمسلمات ) الآية وحدثنا بشر حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ; عن قتادة قال:دخل نساء على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلن:قد ذكركن الله في القرآن ، ولم نذكر بشيء ، أما فينا ما يذكر ؟ فأنزل الله عز وجل:( إن المسلمين والمسلمات ) الآية
فقوله:( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ) دليل على أن الإيمان غير الإسلام ، وهو أخص منه ، لقوله تعالى:( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) [ الحجرات:14] وفي الصحيحين:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن "فيسلبه الإيمان ، ولا يلزم من ذلك كفره بإجماع المسلمين ، فدل على أنه أخص منه كما قررناه في أول شرح البخاري
[ وقوله]:( والقانتين والقانتات ) القنوت:هو الطاعة في سكون ، ( أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) [ الزمر:9] ، وقال تعالى:( وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ) [ الروم:26] ، ( يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) [ آل عمران:43] ، ( وقوموا لله قانتين ) [ البقرة:238] فالإسلام بعده مرتبة يرتقي إليها ، ثم القنوت ناشئ عنهما
( والصادقين والصادقات ):هذا في الأقوال ، فإن الصدق خصلة محمودة; ولهذا كان بعض الصحابة لم تجرب عليه كذبة لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، وهو علامة على الإيمان ، كما أن الكذب أمارة على النفاق ، ومن صدق نجا ، "عليكم بالصدق; فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة وإياكم والكذب; فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا "والأحاديث فيه كثيرة جدا
( والصابرين والصابرات ):هذه سجية الأثبات ، وهي الصبر على المصائب ، والعلم بأن المقدور كائن لا محالة ، وتلقي ذلك بالصبر والثبات ، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى ، أي:أصعبه في أول وهلة ، ثم ما بعده أسهل منه ، وهو صدق السجية وثباتها
( والخاشعين والخاشعات ) الخشوع:السكون والطمأنينة ، والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته ، [ كما في الحديث]:"اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
( والمتصدقين والمتصدقات ):الصدقة:هي الإحسان إلى الناس المحاويج الضعفاء ، الذين لا كسب لهم ولا كاسب ، يعطون من فضول الأموال طاعة لله ، وإحسانا إلى خلقه ، وقد ثبت في الصحيحين:"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "فذكر منهم:"ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه "وفي الحديث الآخر:"والصدقة تطفئ الخطيئة ، كما يطفئ الماء النار "
[ وفي الترمذي عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال:"إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء "
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ، ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه ، فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشأم منه ، فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة "
وفي حديث أبي ذر أنه قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينجي العبد من النار ؟ قال:"الإيمان بالله "قلت:يا نبي الله ، مع الإيمان عمل ؟ قال:"ترضخ مما خولك الله "، أو "ترضخ مما رزقك الله "; ولهذا لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد قال في خطبته:"يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن ، فإني رأيتكن أكثر أهل النار "وكأنه حثهن ورغبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار ، وقال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه:ذكر لي أن الأعمال تتباهى ، فتقول الصدقة:أنا أفضلكم
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال:ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثل البخيل والمتصدق ، كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد ، أو جنتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما ، فجعل المتصدق ، كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه ، حتى تغشى أنامله ، وتعفو أثره ، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت ، وأخذت كل حلقة مكانها قال أبو هريرة:فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا يتسع وقد قال تعالى:( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) [ التغابن:16] فجود الرجل يحببه إلى أضداده ، وبخله يبغضه إلى أولاده كما قيل:
ويظهر عيب المرء في الناس بخله وتستره عنهم جميعا سخاؤه تغط بأثواب السخاء فإنني
أرى كل عيب والسخاء غطاؤه]
والأحاديث في الحث عليها كثيرة جدا ، له موضع بذاته
( والصائمين والصائمات ):في الحديث الذي رواه ابن ماجه:"والصوم زكاة البدن "أي:تزكيه وتطهره وتنقيه من الأخلاط الرديئة طبعا وشرعا
قال سعيد بن جبير:من صام رمضان وثلاثة أيام من كل شهر ، دخل في قوله:( والصائمين والصائمات )
ولما كان الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة - كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباء فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "- ناسب أن يذكر بعده:( والحافظين فروجهم والحافظات ) أي:عن المحارم والمآثم إلا عن المباح ، كما قال تعالى:( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) [ المؤمنون:5 - 7]
وقوله:( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ) قال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عبيد الله ، حدثنا محمد بن جابر ، عن علي بن الأقمر ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل ، فصليا ركعتين ، كتبا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات "
وقد رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث الأعمش ، [ عن علي بن الأقمر] ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي سعيد وأبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله
وقال الإمام أحمد:حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أنه قال:قلت:يا رسول الله ، أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال:"الذاكرون الله كثيرا والذاكرات "
قال:قلت:يا رسول الله ، ومن الغازي في سبيل الله ؟ قال:"لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه "
وقال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة ، فأتى على جمدان فقال:"هذا جمدان ، سيروا فقد سبق المفردون "قالوا:وما المفردون ؟ قال:"الذاكرون الله كثيرا "ثم قال:"اللهم اغفر للمحلقين "قالوا:والمقصرين ؟ قال:"اللهم ، اغفر للمحلقين "قالوا:والمقصرين ؟ قال:"والمقصرين "
تفرد به من هذا الوجه ، ورواه مسلم دون آخره
وقال الإمام أحمد:حدثنا حجين بن المثنى ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن زياد بن أبي زياد - مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة - أنه بلغه عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، أنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله "وقال معاذ:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا أخبركم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة ، ومن أن تلقوا عدوكم غدا فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم "؟ قالوا:بلى يا رسول الله قال:"ذكر الله عز وجل "
وقال الإمام أحمد:حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:أن رجلا سأله فقال:أي المجاهدين أعظم أجرا يا رسول الله ؟ فقال:"أكثرهم لله ذكرا "قال:فأي الصائمين أكثر أجرا ؟ قال:"أكثرهم لله ذكرا "ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة ، كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكثرهم لله ذكرا "فقال أبو بكر لعمر ، رضي الله عنهما:ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أجل "
وسنذكر بقية الأحاديث الواردة في كثرة الذكر عند قوله تعالى في هذه السورة:( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ) الآية [ الأحزاب:41 ، 42] ، إن شاء الله تعالى
وقوله:( أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) أي:هيأ لهم منه لذنوبهم مغفرة وأجرا عظيما وهو الجنة