ولهذا قال:( أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموما ، وعن قطع الأرحام خصوصا ، بل قد أمر [ الله] تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام ، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال . وقد وردت الأحاديث الصحاح والحسان بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرق عديدة ، ووجوه كثيرة .
قال البخاري:حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا سليمان ، حدثني معاوية بن أبي مزرد ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"خلق الله الخلق ، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن عز وجل ، فقال:مه ! فقالت:هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، فقال:ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت:بلى ، قال:فذاك . قال أبو هريرة:اقرءوا إن شئتم:( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) .
ثم رواه البخاري من طريقين آخرين ، عن معاوية بن أبي مزرد به . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"اقرءوا إن شئتم:( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . ) ورواه مسلم من حديث معاوية بن أبي مزرد به .
وقال الإمام أحمد:حدثنا إسماعيل أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن ، عن أبيه ، عن أبي بكرة قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ما من ذنب أحرى أن يعجل الله عقوبته في الدنيا - مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة - من البغي وقطيعة الرحم ".
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث إسماعيل - هو ابن علية - به . وقال الترمذي:هذا حديث صحيح .
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ميمون أبو محمد المرئي ، حدثنا محمد بن عباد المخزومي ، عن ثوبان ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من سره النساء في الأجل ، والزيادة في الرزق ، فليصل رحمه "، تفرد به أحمد ، وله شاهد في الصحيح .
وقال أحمد أيضا:حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حجاج بن أرطاة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال:جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:يا رسول الله إن لي ذوي أرحام ، أصل ويقطعون ، وأعفو ويظلمون ، وأحسن ويسيئون ، أفأكافئهم ؟ قال:"لا إذن تتركون جميعا ، ولكن جد بالفضل وصلهم ; فإنه لن يزال معك ظهير من الله - عز وجل - ما كنت على ذلك ".
تفرد به من هذا الوجه ، وله شاهد من وجه آخر .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يعلى ، حدثنا فطر ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إن الرحم معلقة بالعرش ، وليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها "، رواه البخاري .
وقال أحمد:حدثنا بهز ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا قتادة ، عن أبي ثمامة الثقفي ، عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"توضع الرحم يوم القيامة لها حجنة كحجنة المغزل ، تتكلم بلسان طلق ذلق ، فتصل من وصلها وتقطع من قطعها ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، عن أبي قابوس ، عن عبد الله بن عمرو - يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء ، والرحم شجنة من الرحمن ، من وصلها وصلته ، ومن قطعها بتته ".
وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار به . وهذا هو الذي يروى بتسلسل الأولية ، وقال الترمذي:حسن صحيح .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن أباه حدثه:أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض ، فقال له عبد الرحمن:وصلتك رحم ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"قال الله عز وجل:أنا الرحمن ، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي ، فمن يصلها أصله ، ومن يقطعها أقطعه فأبته - أو قال:من يبتها أبته ".
تفرد به من هذا الوجه . ورواه أحمد أيضا من حديث الزهري ، عن أبي سلمة ، عن الرداد - أو أبي الرداد - عن عبد الرحمن بن عوف به . ورواه أبو داود والترمذي من رواية أبي سلمة ، عن أبيه . والأحاديث في هذا كثيرة .
وقال الطبراني:حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا محمد بن عمار الموصلي ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن محمد بن عبد الله بن علاثة ، عن الحجاج بن الفرافصة ، عن أبي عمر البصري ، عن سلمان قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ".
وبه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا ظهر القول ، وخزن العمل ، وائتلفت الألسنة ، وتباغضت القلوب ، وقطع كل ذي رحم رحمه ، فعند ذلك لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ".