وقوله:( لينفق ذو سعة من سعته ) أي:لينفق على المولود والده ، أو وليه ، بحسب قدرته ( ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) كقوله:( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) [ البقرة:286] .
روى ابن جرير:حدثنا ابن حميد ، حدثنا حكام ، عن أبي سنان قال:سأل عمر بن الخطاب ، عن أبي عبيدة فقيل:إنه يلبس الغليظ من الثياب ، ويأكل أخشن الطعام ، فبعث إليه بألف دينار ، وقال للرسول:انظر ما يصنع بها إذا هو أخذها:فما لبث أن لبس اللين من الثياب ، وأكل أطيب الطعام ، فجاءه الرسول فأخبره ، فقال:رحمه الله ، تأول هذه الآية:( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله )
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير:حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ، أخبرني أبي ، أخبرني ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري - واسمه الحارث - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ثلاثة نفر ، كان لأحدهم عشرة دنانير ، فتصدق منها بدينار . وكان لآخر عشر أواق ، فتصدق منها بأوقية . وكان لآخر مائة أوقية ، فتصدق منها بعشر أواق ". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"هم في الأجر سواء ، كل قد تصدق بعشر ماله ، قال الله تعالى:( لينفق ذو سعة من سعته )
هذا حديث غريب من هذا الوجه .
وقوله:( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) وعد منه تعالى ، ووعده حق ، لا يخلفه ، وهذه كقوله تعالى:( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) [ الشرح:5 ، 6]
وقد روى الإمام أحمد ، حديثا يحسن أن نذكره ها هنا ، فقال:حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، حدثنا شهر بن حوشب قال:قال أبو هريرة:بينما رجل وامرأة له في السلف الخالي لا يقدران على شيء ، فجاء الرجل من سفره ، فدخل على امرأته جائعا قد أصاب مسغبة شديدة ، فقال لامرأته:عندك شيء ؟ قالت:نعم ، أبشر ، أتاك رزق الله ، فاستحثها ، فقال:ويحك ! ابتغي إن كان عندك شيء . قالت:نعم ، هنيهة - ترجو رحمة الله - حتى إذا طال عليه الطوى قال:ويحك ! قومي فابتغي إن كان عندك شيء فائتيني به ، فإني قد بلغت وجهدت . فقالت:نعم ، الآن ينضج التنور فلا تعجل . فلما أن سكت عنها ساعة وتحينت أن يقول لها ، قالت من عند نفسها:لو قمت فنظرت إلى تنوري ؟ فقامت فنظرت إلى تنورها ملآن من جنوب الغنم ، ورحييها تطحنان . فقامت إلى الرحى فنفضتها ، واستخرجت ما في تنورها من جنوب الغنم .
قال أبو هريرة:فوالذي نفس أبي القاسم بيده ، هو قول محمد - صلى الله عليه وسلم -:"لو أخذت ما في رحييها ولم تنفضها لطحنتا إلى يوم القيامة "
وقال في موضع آخر:حدثنا أبو عامر ، حدثنا أبو بكر ، عن هشام ، عن محمد - وهو ابن سيرين - عن أبي هريرة قال:دخل رجل على أهله ، فلما رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البرية ، فلما رأت امرأته قامت إلى الرحى فوضعتها ، وإلى التنور فسجرته ، ثم قالت:اللهم ارزقنا . فنظرت ، فإذا الجفنة قد امتلأت ، قال:وذهبت إلى التنور فوجدته ممتلئا ، قال:فرجع الزوج قال:أصبتم بعدي شيئا ؟ قالت امرأته:نعم ، من ربنا . قام إلى الرحى ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"أما إنه لو لم ترفعها ، لم تزل تدور إلى يوم القيامة "