( إلى ربها ناظرة ) أي:تراه عيانا ، كما رواه البخاري ، رحمه الله ، في صحيحه:"إنكم سترون ربكم عيانا ". وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح ، من طرق متواترة عند أئمة الحديث ، لا يمكن دفعها ولا منعها ; لحديثأبي سعيد وأبي هريرة - وما في الصحيحين -:أن ناسا قالوا:يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال:"هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب؟ "قالوا:لا . قال:"فإنكم ترون ربكم كذلك ". وفي الصحيحين عن جرير قال:نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال:"إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر ، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا "وفي الصحيحين عن أبي موسى قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ". وفي أفراد مسلم ، عن صهيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل أهل الجنة الجنة "قال:"يقول الله تعالى:تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون:ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ "قال:"فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ، وهي الزيادة ". ثم تلا هذه الآية:( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس:26] .
وفي أفراد مسلم ، عن جابر في حديثه:"إن الله يتجلى للمؤمنين يضحك "- يعني في عرصات القيامة - ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم عز وجل في العرصات ، وفي روضات الجنات .
وقال الإمام أحمد:حدثنا أبو معاوية ، حدثنا عبد الملك بن أبجر ، حدثنا ثوير بن أبي فاختة ، عن ابن عمر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، ينظر إلى أزواجه وخدمه . وإن أفضلهم منزلة لينظر إلى وجه الله كل يوم مرتين ".
ورواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن شبابة ، عن إسرائيل ، عن ثوير قال:"سمعت ابن عمر . . ". فذكره ، قال:"ورواه عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قوله ". وكذلك رواه الثوري ، عن ثوير ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، لم يرفعه ، ولولا خشية الإطالة لأوردنا الأحاديث بطرقها وألفاظها من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن ، ولكن ذكرنا ذلك مفرقا في مواضع من هذا التفسير ، وبالله التوفيق . وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة ، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام . وهداة الأنام .
ومن تأول ذلك بأن المراد ب ) إلى ) مفرد الآلاء ، وهي النعم ، كما قال الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد:( إلى ربها ناظرة ) فقال تنتظر الثواب من ربها . رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد . وكذا قال أبو صالح أيضا - فقد أبعد هذا القائل النجعة ، وأبطل فيما ذهب إليه . وأين هو من قوله تعالى:( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) ؟ [ المطففين:15] ، قال الشافعي ، رحمه الله:ما حجب الفجار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه عز وجل . ثم قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دل عليه سياق الآية الكريمة ، وهي قوله:( إلى ربها ناظرة ) قال ابن جرير:حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا آدم ، حدثنا المبارك ، عن الحسن:( وجوه يومئذ ناضرة ) قال:حسنة ، ( إلى ربها ناظرة ) قال تنظر إلى الخالق ، وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق .