ال محمد بن إسحاق:حدثني العباس بن عبد الله بن مغفل ، عن بعض أهله ، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر:إني قد عرفت أن أناسا من بني هاشم وغيرهم ، قد أخرجوا كرها ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحدا منهم - أي:من بني هاشم - فلا يقتله ، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله ، فإنه إنما أخرج مستكرها . فقال أبو حذيفة بن عتبة:أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس ! والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف ؟ فبلغت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لعمر بن الخطاب:يا أبا حفص - قال عمر:والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضرب وجه عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف ؟ فقال عمر:يا رسول الله ، ائذن لي فأضرب عنقه ، فوالله لقد نافق . فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك:والله ما آمن من تلك الكلمة التي قلت ، ولا أزال منها خائفا ، إلا أن يكفرها الله عني بشهادة . فقتل يوم اليمامة شهيدا ، رضي الله عنه .
وبه ، عن ابن عباس قال:لما أمسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ، والأسارى محبوسون بالوثاق ، بات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساهرا أول الليل ، فقال له أصحابه:يا رسول الله ، ما لك لا تنام ؟ - وقد أسر العباس رجل من الأنصار - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:سمعت أنين عمي العباس في وثاقه ، فأطلقوه فسكت ، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال محمد بن إسحاق:وكان أكثر الأسارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلب ، وذلك أنه كان رجلا موسرا فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهبا .
وفي صحيح البخاري ، من حديث موسى بن عقبة ، قال ابن شهاب:حدثني أنس بن مالك أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا:ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه . قال:لا والله ، لا تذرون منه درهما .
وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة - وعن الزهري ، عن جماعة سماهم قالوا:بعثت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا ، وقال العباس:يا رسول الله ، قد كنت مسلما ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:الله أعلم بإسلامك ، فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك ، وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابني أخيك:نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ، وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر قال:ما ذاك عندي يا رسول الله ! قال:فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ؟ فقلت لها:إن أصبت في سفري هذا ، فهذا المال الذي دفنته لبني:الفضل ، وعبد الله ، وقثم . قال:والله يا رسول الله ، إني لأعلم أنك رسول الله ، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل ، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني:عشرين أوقية من مال كان معي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:لا ، ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك . ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه ، وأنزل الله - عز وجل - فيه:( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم ) قال العباس:فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا ، كلهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله - عز وجل - .
وقد روى ابن إسحاق أيضا ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس في هذه الآية بنحو مما تقدم .
وقال أبو جعفر بن جرير:حدثنا ابن وكيع ، حدثنا ابن إدريس [ عن ابن إسحاق] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال:قال العباس:في نزلت:( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلامي ، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذ مني ، فأبى ، فأبدلني الله بها عشرين عبدا ، كلهم تاجر ، مالي في يده .
وقال ابن إسحاق أيضا:حدثني الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال:كان العباس بن عبد المطلب يقول:في نزلت - والله - حين ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إسلامي - ثم ذكر نحو الحديث الذي قبله .
وقال ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس:( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ) عباس وأصحابه . قال:قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -:آمنا بما جئت به ، ونشهد أنك رسول الله ، لننصحن لك على قومنا . فأنزل الله:( إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ) إيمانا وتصديقا ، يخلف لكم خيرا مما أخذ منكم ) ويغفر لكم ) الشرك الذي كنتم عليه . قال:فكان العباس يقول:ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وأن لي الدنيا ، لقد قال:( يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ) فقد أعطاني خيرا مما أخذ مني مائة ضعف ، وقال:( ويغفر لكم ) وأرجو أن يكون غفر لي .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية:كان العباس أسر يوم بدر ، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب ، فقال العباس حين قرئت هذه الآية:لقد أعطانا الله - عز وجل - خصلتين ، ما أحب أن لي بهما الدنيا:إني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية . فآتاني أربعين عبدا ، وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله جل ثناؤه .
وقال قتادة في تفسير هذه الآية:ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا ، وقد توضأ لصلاة الظهر ، فما أعطى يومئذ شاكيا ، ولا حرم سائلا ، وما صلى يومئذ حتى فرقه ، فأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي ، فأخذ . قال:فكان العباس يقول:هذا خير مما أخذ منا ، وأرجو المغفرة .
وقال يعقوب بن سفيان:حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال قال:بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البحرين ثمانين ألفا ، ما أتاه مال أكثر منه لا قبل ولا بعد . قال:فنثرت على حصير ونودي بالصلاة . قال:وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمثل قائما على المال ، وجاء أهل المسجد فما كان يومئذ عدد ولا وزن ، ما كان إلا قبضا ، [ قال] وجاء العباس بن عبد المطلب يحثي في خميصة عليه ، وذهب يقوم فلم يستطع ، قال:فرفع رأسه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:يا رسول الله ، ارفع علي . قال:فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى خرج ضاحكه - أو:نابه - وقال له:أعد من المال طائفة ، وقم بما تطيق . قال:ففعل ، وجعل العباس يقول - وهو منطلق -:أما إحدى اللتين وعدنا الله فقد أنجزنا ، وما ندري ما يصنع في الأخرى:( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ) الآية ، ثم قال:هذا خير مما أخذ منا ، ولا أدري ما يصنع الله في الأخرى فما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائلا على ذلك المال ، حتى ما بقي منه درهم ، وما بعث إلى أهله بدرهم ، ثم أتى الصلاة فصلى .
حديث آخر في ذلك:قال الحافظ أبو بكر البيهقي:أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد الله السعيدي ، حدثنا محمش بن عصام ، حدثنا حفص بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال:أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمال من البحرين ، فقال:انثروه في المسجد .
قال:وكان أكثر مال أتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج إلى الصلاة ولم يلتفت إليه ، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه . فما كان يرى أحدا إلا أعطاه ، إذ جاء العباس فقال:يا رسول الله ، أعطني فإني فاديت نفسي ، وفاديت عقيلا . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:خذ . فحثا في ثوبه ، ثم ذهب يقله فلم يستطع ، فقال:مر بعضهم يرفعه إلي . قال:لا . قال:فارفعه أنت علي . قال:لا ، فنثر منه ثم احتمله على كاهله ، ثم انطلق ، فما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعه بصره حتى خفي عنه ، عجبا من حرصه ، فما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثم منها درهم .
وقد رواه البخاري في مواضع من صحيحه تعليقا بصيغة الجزم ، يقول:"وقال إبراهيم بن طهمان "ويسوقه ، وفي بعض السياقات أتم من هذا .