القول في تأويل قوله تعالى:قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:قال إخوة يوسف:(تالله) يعني:والله .
* * *
وهذه التاء في (تالله) ، إنما هي"واو "قلبت "تاء "كما فعل ذلك في"التوراة "وهي من "ورّيت "، (10) و "التُّراث "، وهي من "ورثت ",و "التخمة "وهي من "الوخامة "، قلبت الواو في ذلك كله تاء، و "الواو "في هذه الحروف كلها من الأسماء , وليست كذلك في (تالله) ، لأنها إنما هي واو القسم , وإنما جعلت تاء لكثرة ما جرى على ألسن العرب في الأيمان في قولهم:"والله ",فخُصَّت في هذه الكلمة بأن قلبت تاء . ومن قال ذلك في اسم الله فقال:"تالله ". لم يقل "تالرحمن "و "تالرحيم ",ولا مع شيء من أسماء الله , ولا مع شيء مما يقسم به , ولا يقال ذلك إلا في"تالله "وحده .
* * *
وقوله:(لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، يقول:لقد علمتم ما جئنا لنعصى الله في أرضكم. (11)
* * *
كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
19555- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس , في قوله:(قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، نقول:ما جئنا لنعصى في الأرض.
* * *
فإن قال قائل:وما كان عِلْمُ من قيل له (12) (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، بأنهم لم يجيئوا لذلك، حتى استجاز قائلو ذلك أن يقولوه؟
قيل:استجازوا أن يقولوا ذلك لأنهم فيما ذكر ردُّوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم , فقالوا:لو كنا سُرَّاقًا لم نردَّ عليكم البضاعة التي وجدناها في رحالنا .
وقيل:إنهم كانوا قد عُرِفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون أحدًا ولا يتناولون ما ليس لهم , فقالوا ذلك حين قيل لهم:إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ.
* * *
----------------------
الهوامش:
(10) في المطبوعة:"كما فعل ذلك في التورية ، وهي من وريت"، فأساء غاية الإساءة ، فضلا عما فيه من الجهالة . والصواب من المخطوطة ، و"التوراة"، وهي التي أنزلها الله على موسى ، قال الفراء في كتاب المصادر إنها"تفعلة"من"وريت"، وجرت على لغة طئ ، كقولهم في"التوصية""توصاة"وفي"الجارية""جاراة". وقال البصريون:"التوراة"، أصلها"فوعلة"، مثل"الحوصلة"و"الدوخلة"وكل ما كان على"فوعلت"، فمصدره"فوعلة"، وقلبت الواو تاء ، كما قلبت في"تولج"وأصلها"ولج".
(11) انظر تفسير"الفساد في الأرض"فيما سلف من فهارس اللغة ( فسد ) .
(12) في المطبوعة:"وما كان أعلم من قيل له"، وهو عبث وفساد ، صوابه ما في المخطوطة .