القول في تأويل قوله تعالى:قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (86)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:قال يعقوب للقائلين له من ولده:تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ:،لست إليكم أشكو بثي وحزني ، وإنما أشكو ذلك إلى الله .
* * *
ويعني بقوله:( إنما أشكو بثي ) ، ما أشكو هَمِّي وحزني إلا إلى الله.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19709 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج:( إنما أشكو بثي ) ، قال ابن عباس:"بثي"، همي.
19710 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال:قال يعقوب عَنْ عِلْمٍ بالله:( إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ، لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لَفْظهم له:(41) لم أشك ذلك إليكم ، ( وأعلم من الله ما لا تعلمون ).
19711 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة ، عن عوف ، عن الحسن:( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) قال:حاجتي وحزني إلى الله.
19712- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا هوذة بن خليفة قال، حدثنا عوف ، عن الحسن ، مثله .
* * *
وقيل:إن "البثّ"، أشد الحزن ، (42) وهو عندي من:"بَثّ الحديث "، وإنما يراد منه:إنما أشكو خبري الذي أنا فيه من الهمِّ ، وأبثُّ حديثي وحزني إلى الله .
* * *
19713 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عوف ، عن الحسن، ( إنما أشكو بثي ) ، قال:حزني.
19714 - حدثنا ابن بشار قال، حدثني يحيى بن سعيد ، عن عوف ، عن الحسن:( إنما أشكو بثي وحزني ) ، قال:حاجتي.
* * *
وأما قوله ( وأعلم من الله ما لا تعلمون ) فإن ابن عباس كان يقول في ذلك فيما ذكر عنه ما:-
19715 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله:( وأعلم من الله ما لا تعلمون ،) يقول:أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني سأسجد له.
19716- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال:( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ، قال:لما أخبروه بدعاء الملك، أحسَّت نفسُ يعقوب وقال:ما يكون في الأرض صِدِّيق إلا نبيّ ! فطمع قال:لعله يوسف. (43)
19717- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة:( قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) الآية ، ذكر لنا أن نبي الله يعقوب لم ينـزل به بلاءٌ قط إلا أتى حُسْنَ ظنّه بالله من ورائه.
19718- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام ، عن عيسى بن يزيد ، عن الحسن قال، قيل:ما بلغ وجدُ يعقوب على ابنه؟ قال:وجد سبعين ثكلى! . قال:فما كان له من الأجر؟ قال:أجر مئة شهيدٍ . قال:وما ساء ظنه بالله ساعةً من ليل ولا نهارٍ.
19719- حدثنا به ابن حميد مرة أخرى قال، حدثنا حكام ، عن أبي معاذ ، عن يونس ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .
19720- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن المبارك بن مجاهد ، عن رجل من الأزد ، عن طلحة بن مصرِّف الإيامي قال، ثلاثة لا تذْكُرْهنّ واجتنب ذكرهُنّ:لا تشك مَرَضَك ، ولا تَشكُّ مصيبتك ، ولا تزكِّ نفسك . قال:وأنبئت أنّ يعقوب بن إسحاق دخل عليه جار له ، فقال له:يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيتَ، ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك؟ قال:هَشَمني وأفناني ما ابتلاني الله به من همّ يوسف وذكره! فأوحى الله إليه:يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي؟ فقال:يا رب خطيئة أخطأتُها ، فاغفرها لي ! قال:فإني قد غفرت لك . وكان بعد ذلك إذا سئل قال، ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ).
19721- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثني مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت قال، بلغني أن يعقوب كبر حتى سقط حاجبَاه على وجنتيه ، فكان يرفعهما بخِرْقَة ، فقال له رجل:ما بلغ بك ما أرى؟ قال:طول الزمان وكثرة الأحزان . فأوحى الله إليه:يا يعقوب تشكوني؟ قال:خطيئة فاغفرها.
19722- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا ثور بن يزيد قال:دخل يعقوب على فرعون وقد سقط حاجبَاه على عينيه ، فقال:ما بلغ بك هذا يا إبراهيم؟ فقالوا:إنّه يعقوب ، فقال:ما بلغ بك هذا يا يعقوب؟ قال:طول الزمان وكثرة الأحزان . فقال الله:يا يعقوب أتشكوني؟ فقال:يا رب خطيئة أخطأتها ، فاغفرها لي.
19723- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا هشام ، عن ليث بن أبي سليم قال، دخل جبريل على يوسف السجنَ ، فعرفه، فقال:أيها المَلَكُ الحسن وجهه ، الطيبة ريحُه ، الكريمُ على ربه ، ألا تخبرني عن يعقوب أحيٌّ هو؟ قال:نعم . قال:أيها الملك الحسنُ وجههُ ، الطيبة ريحه ، الكريم على ربه ، فما بلغ من حزنه؟ قال:حزن سبعين مُثْكِلة . قال:أيها الملك الحسن وجهه ، الطيبة ريحه ، الكريم على ربه ، فهل في ذلك من أجر؟ قال:أجر مئة شهيد.
19724- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد قال:حُدّثت أن جبريل أتى يوسف صلى الله عليه وسلم وهو بمصر في صورة رجل، فلما رآه يوسف عرَفه ، فقام إليه:فقال:أيها الملك الطيبُ ريحه ، الطاهرُ ثيابه ، الكريم على ربه ، هل لك بيعقوب من علم؟ قال:نعم! قال:أيها الملك الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، فكيف هو؟ قال:ذهب بصره . قال:أيها الملك الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، وما الذي أذهب بصره؟ قال:الحزنُ عليك . قال:أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، فما أعطي على ذلك؟ قال:أجر سبعين شهيدًا.
19725- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال أبو شريح:سمعت من يحدث أن يوسف سأل جبريل:ما بلغ من حزن يعقوب؟ قال:حزن سبعين ثكلى . قال:فما بلغ أجره؟ قال:أجر سبعين شهيدًا.
19726- ... قال:أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني نافع بن يزيد ، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال، دخل جبريل على يوسف في البئر أو في السجن ، فقال له يوسف:يا جبريل ، ما بلغ حزن أبي؟ قال:حزن سبعين ثكلى . قال:فما بلغ أجره من الله؟ قال:أجر مئة شهيدٍ.
19727- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل قال، سمعت وهب بن منبه يقول:أتى جبريل يوسف بالبشرى وهو في السجن. فقال:هل تعرفني أيها الصِّدِّيق؟ قال:أرى صورة طاهرة ورُوحًا طيبة لا تشبه أرواح الخاطئين . قال:فإني رسول رب العالمين ، وأنا الروح الأمين . قال:فما الذي أدخلك على مُدْخَل المذنبين ، وأنت أطيب الطيبين ، ورأس المقربين ، وأمين رب العالمين؟ قال:ألم تعلم يا يوسف أن الله يطّهر البيوت بطُهْر النبيين ، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأرَضِين ،وأن الله قد طهَّر بك السجن وما حوله يا أطهر الطاهرين وابن المطهَّرين؟ (44) إنما يتطهر بفضل طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلَصِين! قال:كيف لي باسم الصّدِّيقين ، وتعدُّني من المخلصين ، وقد أدخلت مُدْخَل المذنبين ، وسميت في الضالين المفسدين؟ (45) قال:لم يُفْتَتَنْ قلبُك ، ولم تطع سيدتك في معصية ربك ، ولذلك سمَّاك الله في الصديقين ، وعدّك من المخلَصين ، وألحقك بآبائك الصالحين . قال:لك علم بيعقوب أيها الروح الأمين؟ قال:نعم ، وهبه الله الصبر الجميل ، وابتلاه بالحزن عليك ، فهو كظيم . قال:فما قَدْرُ حزنه؟ قال:حزن سبعين ثكلى . قال:فماذا له من الأجر يا جبريل؟ قال:قدر مئة شهيدٍ.
19728- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير ، عن ليث ، عن ثابت البناني قال، دخل جبريل على يوسف في السجن ، فعرفه يوسف قال، فأتاه فسلم عليه ، فقال:أيها الملك الطيبُ ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل لك من علم بيعقوب؟ قال:نعم . قال:أيها الملك الطيبُ ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل تدري ما فعل؟ قال:ابيضَّت عيناه . قال:أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، ممّ ذاك؟ قال:من الحزن عليك. (46) قال، أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، وما بلغ من حزنه؟ قال:حزن سبعين مُثْكِلة . قال:أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل له على ذلك من أجر؟ قال:نعم أجر مئة شهيدٍ.
19729- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال، أتى جبرئيل يوسف وهو في السجن فسلّم عليه ، وجاءه في صورة رجلٍ حسنالوجه طيّب الريح نقيّ الثياب ، فقال له يوسف:أيها المَلك الحسن وجهه ، الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، حدثني كيف يعقوب؟ قال:حزن عليك حزنًا شديدًا . قال:وما بلغ من حزنه؟ قال:حزن سبعين مُثْكِلة . قال:فما بلغ من أجره؟ قال:أجر سبعين أو مئة شهيدٍ . قال يوسف:فإلى من أوَى بعدي؟ قال:إلى أخيك بنيامين . قال:فتراني ألقاه أبدًا؟ قال:نعم . فبكى يوسف لما لقي أبوه بعده ، ثم قال:ما أبالي ما لقيت إنِ اللهُ أرانيه.
19730-... قال:حدثنا عمرو بن محمد ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال، أتى جبريل يوسف وهو في السجن ، فسلم عليه ، فقال له يوسف، أيها الملك الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، هل لك من علم بيعقوب؟ قال:نعم ما أشد حزنه ! قال:أيها الملك الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، ماذا لَه من الأجر؟ قال:أجر سبعين شهيدًا . قال:أفتراني لاقيه؟ قال:نعم . قال:فطابت نفس يوسف.
19731- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير ، عن ليث ، عن سعيد بن جبير قال:لما دخل يعقوب على الملك وحاجباه قد سقطا على عينيه ، قال الملك:ما هذا؟ قال:السنون والأحزان، أو:الهموم والأحزان ، فقال ربه:يا يعقوب لم تشكوني إلى خلقي ، ألم أفعل بك وأفعل؟
19732- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:من بثَّ لم يصبر (47) ثم قرأ:( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) .
19733- حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن الحسن قال، كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلى يوم رجع ثمانون سنة ، لم يفارق الحزن قلبه ، يبكي حتى ذهبَ بصره . قال الحسن:والله ما على الأرض يومئذ خليقةٌ أكرم على الله من يعقوب صلى الله عليه وسلم.
* * *
----------------------
الهوامش:
(41) في المخطوطة والمطبوعة:"لفظهم به"، وهو لا يستقيم ، صوابه ما أثبت ، ويعني جفاءهم فيما يخاطبونه به من الكلام .
(42) هو لفظ أبي عبيدة في مجاز القرآن 1:317 .
(43) هذا خبر مضطرب اللفظ ، أخشى أن يكون فيه سقط أو تحريف .
(44) في المطبوعة و المخطوطة:"يا طهر الطاهرين"، والصواب ما أثبت .
(45) في المطبوعة والمخطوطة:"وسميت بالضالين المفسدين"، وهو لا يستقيم ، صوابه ما أثبت . وانظر بعد قوله:"وسماك الله في الصديقين".
(46) في المخطوطة:"قال:قد ابيضت عيناه من الحزن عليك"، وحذف ما بين الكلامين من سؤال وجواب .
(47) في المخطوطة:"من بب فلم نصير"، غير منقوطة وعلى الجملة حرف ( ط ) دلالة على الخطأ ، والذي في المطبوعة ، هو نص ما في الدر المنثور 4:31 .