القول في تأويل قوله تعالى:قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)
قال أبو جعفر:يعني تعالى ذكره:قال ولد يعقوب ،الذين انصرفوا إليه من مصر له، حين قال:يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ،:تالله لا تزال تذكر يوسف .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19675 - حدثني محمد بن عمرو ، قال حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:(تفتأ) تفتر من حبه.
19676 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله:(تفتأ) ، تفتر من حبه. (25)
قال أبو جعفر:
هكذا قال الحسن في حديثه ، (26) وهو غلط ، إنما هو:تفتر من حبه ، تزال تذكر يوسف. (27)
19677- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ) قال:لا تفتر من حبه.
19678- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:( تفتأ ):تفتر من حبه.
19679 ....- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله:( تالله تفتأ تذكر يوسف ) ، قال:لا تزال تذكر يوسف.
19680 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع ،وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ،، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس:( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ) قال:لا تزال تذكر يوسف. قال، لا تفتر من حبه.
19681 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله:( تفتأ تذكر يوسف ) قال:لا تزال تذكر يوسف.
19682- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة:( تفتأ تذكر يوسف ،) قال:لا تزال تذكر يوسف. (28)
* * *
يقال منه:"ما فَتِئت أقول ذاك "،"وما فَتَأت "لغة ،"أفْتِئُ وأفْتَأ فَتأً وفُتوُءًا "(29) . وحكي أيضًا:"ما أفتأت به "، ومنه قول أوس بن حجر:
فَمَــا فَتِئَـتْ حَـتَّى كـأَنَّ غُبَارَهَـا
سُــرَادِقُ يَــوْمٍ ذِي رِيَـاحٍ تَـرَفَّعُ (30)
وقوله الآخر (31)
فَمَــا فَتِئَـتْ خَـيْلٌ تَثُـوبَ وَتَـدَّعِي
وَيَلْحَــقُ مِنْهَــا لاحِــقٌ وتَقَطَّـعُ (32)
بمعنى:فما زالت.
وحذفت "لا "من قوله:( تفتأ ) وهي مرادة في الكلام ، لأن اليمين إذا كان ما بعدها خبرًا لم يصحبها الجحد ، ولم تسقط"اللام "التي يجاب بها الأيْمان ، وذلك كقول القائل:"والله لآتينَّك "، وإذا كان ما بعدها مجحودًا تُلُقِّيت بـ"ما "أو بـ"لا ". فلما عرف موقعها حُذِفت من الكلام، لمعرفة السامع بمعنى الكلام ، (33) ومنه قول امرئ القيس:
فَقُلْــتُ يَمِيــنَ اللـهِ أبْـرَحُ قَـاعِدًا
وَلَـوْ قَطَّعُـوا رَأْسِـي لَدَيْكِ وأوْصَالِي (34)
فحذفت "لا "من قوله:"أبرح قاعدًا "، لما ذكرت من العلة ، كما قال الآخر:
فَـلا وأَبِـي دَهْمَـاءَ زَالَـتْ عَزِيـزَةً
عَـلَى قَوْمِهَـا مَـا فَتَّـلَ الزَّنْـدَ قَادِحُ (35)
يريد:لا زالت .
* * *
وقوله:( حتى تكون حرضًا، ) يقول:حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبولَ العقل.
* * *
وأصل الحرض:الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق، ومنه قول العَرْجيّ:
إنِّـي امْـرُؤٌ لَـجّ بي حُبٌّ فأَحْرَضَني
حَـتَّى بَلِيـتُ وحَـتّى شَـفَّني السَّـقَمُ (36)
يعني بقوله:"فأحرضني"، أذابني فتركني مُحْرَضًا. يقال منه:"رجل حَرَضٌ ، وامرأة حَرَضٌ ، وقوم حَرَضٌ ، ورجلان حَرَضٌ"، على صورة واحدة للمذكر والمؤنث، وفي التثنية والجمع. ومن العرب من يقول للذكر:"حَارِض "، وللأنثى "حارضة ". فإذا وُصف بهذا اللفظ ثُنِّي وجُمع، وذكِّر وأنث. وَوُحِّد "حَرَض "بكل حال ولم يدخله التأنيث، لأنه مصدر ، فإذا أخرج على "فاعل "على تقدير الأسماء، لزمه ما يلزم الأسماء من التثنية والجمع والتذكير والتأنيث. وذكر بعضهم سماعًا:"رجُل مُحْرَضٌ"، إذا كان وَجِعًا ، وأنشد في ذلك بيتًا:
طَلَبَتْــهُ الخَــيْلُ يَوْمًــا كَــامِلا
وَلَــوَ الْفَتْــهُ لأضْحَـى مُحْرَضَـا (37)
وذكر أنَّ منه قول امرئ القيس:
أَرَى المَـرْءَ ذَا الأذْوَادِ يُصْبِحُ مُحْرَضًا
كَـإِحْرَاضِ بَكْـرٍ فـي الدِّيَـارِ مَريضِ (38)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19683 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله:( حتى تكون حرضًا ) يعني:الجَهْدَ في المرض، البالي.
19684 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:( حتى تكون حرضًا ) قال:دون الموت.
19685- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد:( حتى تكون حرضًا ) قال:الحرض، ما دون الموت.
19686- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19687 - ...قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19688- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
19689- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19690- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19691 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة:( حتى تكون حرضًا ) حتى تبلى أو تهرم.
19692- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة:( حتى تكون حرضًا ) حتى تكون هَرِمًا.
19693 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن:( حتى تكون حرضًا ) قال:هرمًا.
19694 - ...قال، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال:"الحرض "، الشيء البالي.
19695- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله:( حتى تكون حرضًا ) قال:الحرض:الشيء البالي الفاني.
19696....- قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي معاذ ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك:( حتى تكون حَرَضًا )"الحرضُ"البالي.
19697- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك يقول في قوله:( حتى تكون حرضًا ):هو البالي المُدْبر. (39)
19698 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي:(حتى تكون حرضًا ) باليًا.
19699 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال:لما ذكر يعقوبُ يوسفَ قالوا ،يعني ولده الذين حضروه في ذلك الوقت، جهلا وظلمًا ،:( تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا ،) أي:تكون فاسدًا لا عقل لك ، ( أو تكون من الهالكين. )
19700 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد ، في قوله:( حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين ) ، قال:"الحرض ":الذي قد رُدَّ إلى أرذل العمر حتى لا يعقل ، أو يهلك، فيكون هالكًا قبل ذلك.
* * *
وقوله:( أو تكون من الهالكين ) ، يقول:أو تكون ممن هلك بالموت .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19701 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد:( أو تكون من الهالكين ،) قال:الموت.
19702- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:( أو تكون من الهالكين ،) من الميتين.
19703 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك، ( أو تكون من الهالكين ) قال:الميتين.
19704- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .
19705 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن عون ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن:( أو تكون من الهالكين )، قال:الميتين.
19706 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة:( أو تكون من الهالكين ) ، قال:أو تموت.
19707- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة:( أو تكون من الهالكين، ) قال:من الميتين.
19708 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي:( أو تكون من الهالكين، ) قال:الميتين. (40)
* * *
----------------------
الهوامش:
(25) في المطبوعة:"ما تفتر"بزيادة"ما"هنا ، وأثبت ما في المخطوطة كالذي قبله .
(26) في المطبوعة:"كذا قال"، وأثبت ما في المخطوطة .
(27) اعتراض الطبري على خبر الحسن بن محمد ، يدل على أن الذي في أصله شيء آخر قوله غير:"تفتر من حبه"، كما وردت في الخبر ، ولم أستطع أن أتبين كيف هذا الحرف في رواية الحسن .
(28) الأثر:19682 - هذا الأثر مكرر في المطبوعة والمخطوطة بإسناده ولفظه ، وبين أنه سهو من الناسخ ، فحذفته .
(29) قوله:"أفتئ"، هكذا جاءت في المخطوطة والمطبوعة ، و ليس في كتب اللغة ما يؤيد هذا الذي قاله أبو جعفر ، وهو غريب جدًا .
(30) ديوانه ، البيت:17 ، القصيدة:12 ، اللسان ( شرم ) ، وروايته فيهما:"فما فتئت خيل كأن غبارها".
(31) هو قول أوس بن حجر أيضًا .
(32) ديوانه القصيدة:17 ، البيت:10 ، الجمهرة 3:287 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1:316 ، والمعاني الكبير:1002 .
(33) انظر معاني القرآن للفراء في تفسير الآية .
(34) مضى البيت وتخريجه فيما سلف 4:425 ، ويزاد عليه معاني القرآن للفراء .
(35) معاني القرآن للفراء ، في تفسير الآية ، ومشكل القرآن:174 ، والخزانة 4:45 ، 46 ، وشرح شواهد المغني:278 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة:"ما قبل الزند"، وهو خطأ صرف .
(36) ديوانه:5 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة:317 ، واللسان ( حرض ) .
(37) لم أجد البيت ، ولم أعرف قائله .
(38) ديوانه:77 ، واللسان ( حرض ) .
(39) في المطبوعة:"البالي المندثر"، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو أجود .
(40) في المطبوعة:"من الميتين"، بزيادة"من".