يقول تعالى ذكره:والبُدن وهي جمع بدنة, وقد يقال لواحدها:بدن, وإذا قيل بدن احتمل أن يكون جمعا وواحدا, يدلّ على أنه قد يقال ذلك للواحد قول الراجز:
عَــليَّ حِــينَ نَمْلِــكُ الأمُــورَا
صَــوْمَ شُــهُورٍ وَجَــبَتْ نُـذُورا
وَحَــلْقَ راسِــي وَافِيـا مَضْفُـورَا
وَبَدَنــــا مُدَرَّعـــا مُوْفُـــورَا (3)
والبدن:هو الضخم من كلّ شيء, ولذلك قيل لامرئ القيس بن النعمان صاحب الخورنق، والسدير البَدَن:لضخمه واسترخاء لحمه, فإنه يقال:قد بَدَّن تبدينا. فمعنى الكلام. والإبل العظام الأجسام الضخام, جعلناها لكم أيها الناس من شعائر الله:يقول:من أعلام أمر الله الذي أمركم به في مناسك حجكم إذا قلدتموها وجللتموها وأشعرتموها, علم بذلك وشعر أنكم فعلتم ذلك من الإبل والبقر.
كما:حدثنا ابن بشار, قال:ثنا يحيى, عن ابن جُرَيج, قال:قال عطاء:( والبُدْنَ جَعَلنْاها لَكُمْ مِن شَعائِرِ اللهِ ) قال:البقرة والبعير.
وقوله:( لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) يقول:لكم في البدن خير، وذلك الخير هو الأجر في الآخرة بنحرها والصدقة بها, وفي الدنيا:الركوب إذا احتاج إلى ركوبها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى - وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله:( لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) قال:أجر ومنافع في البدن.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا عبد الرحمن, قال. حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم:( لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) قال:اللبن والركوب إذا احتاج.
حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال:أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن منصور, عن إبراهيم:( لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) قال:إذا اضطررت إلى بدنتك ركبتها وشربت لبنها.
حدثنا ابن حميد, قال:ثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم:( لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) من احتاج إلى ظهر البدنة ركب, ومن احتاج إلى لبنها شرب.
وقوله:( فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ ) يقول تعالى ذكره:فاذكروا اسم الله على البدن عند نحركم إياها صوافّ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ ) بمعنى مصطفة, واحدها:صافة, وقد صفت بين أيديها. ورُوي عن الحسن ومجاهد وزيد بن أسلم وجماعة أُخر معهم, أنهم قرءوا ذلك. "صَوَافِيَ"بالياء منصوبة, بمعنى:خالصة لله لا شريك له فيها صافية له.
وقرأ بعضهم ذلك:"صَوَاف "بإسقاط الياء وتنوين الحرف, على مثال:عوار وعواد. وروي عن ابن مسعود أنه قرأه:"صَوَافِنٌ"بمعنى:معقلة.
والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بتشديد الفاء ونصبها, لإجماع الحجة من القرّاء عليه بالمعنى الذي ذكرناه لمن قرأه كذلك.
*ذكر من تأوّله بتأويل من قرأه بتشديد الفاء ونصبها:- حدثنا أبو كريب, قال:ثنا جابر بن نوح, عن الأعمش, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس, في قوله:( فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ ) قال:الله أكبر الله أكبر, اللهمّ منك ولك. صوافّ:قياما على ثلاث أرجل. فقيل لابن عباس:ما نصنع بجلودها؟ قال:تصدّقوا بها, واستمتعوا بها.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال:ثنا أيوب بن سويد, قال:ثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس, في قوله:(صَوَافَّ) قال:قائمة, قال:يقول:الله أكبر, لا إله إلا الله, اللهمّ منك ولك.
حدثني محمد بن المثنى, قال:ثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن سليمان, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس:( فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ ) قال:قياما على ثلاث قوائم معقولة باسم الله, اللهم أكبر, اللهمّ منك ولك.
حدثني يعقوب, قال:ثنا هشيم, قال:أخبرنا حصين, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله:(صَوَافَّ) قال:معقولة إحدى يديها, قال:قائمة على ثلاث قوائم.
حدثني عليّ, قال:ثنا عبد الله, قال:ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله:( فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ ) يقول:قياما.
حدثني محمد بن سعد, قال:ثني أبي, قال:ثني عمي, قال:ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله:( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) والصواف:أن تعقل قائمة واحدة, وتصفها على ثلاث فتنحرها كذلك.
حدثنا يعقوب, قال:ثنا هشيم, قال:أخبرنا يعلى بن عطاء, قال:أخبرنا بجير بن سالم, قال:رأيت ابن عمر وهو ينحر بدنته, قال:فقال:(صَوَافَّ) كما قال الله, قال:فنحرها وهي قائمة معقولة إحدى يديها.
حدثنا أبو كريب, قال:ثنا ابن إدريس, قال:أخبرنا ليث, عن مجاهد, قال:الصَّوافّ:إذا عقلت رجلها وقامت على ثلاث.
قال:ثنا ليث, عن مجاهد, في قوْله:( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) قال:صوافّ بين أوظافها.
حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى - وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد:(صَوَافّ) قال:قيام صواف على ثلاث قوائم.
- حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد:( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) قال:بين وظائفها قياما.
حدثنا ابن البرقي, قال:ثنا ابن أبي مريم, قال:أخبرنا يحيى بن أيوب, عن خالد بن يزيد, عن ابن أبي هلال, عن نافع, عن عبد الله:أنه كان ينحر البُدن وهي قائمة مستقبلة البيت تصفّ أيديها بالقيود, قال:هي التي ذكر الله:( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ).
حدثنا ابن حميد, قال:ثني جرير, عن منصور, عن رجل, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس, قال:قلت له:قول الله ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) قال:إذا أردت أن تنحر البدنة فانحرها, وقل:الله أكبر, لا إله إلا الله, اللهم منك ولك, ثم سم ثم انحرها. قلت:فأقول ذلك للأضحية، قال:وللأضحية.
*ذكر من تأوّله بتأويل من قرأه:"صَوَافِيَ"بالياء:حدثنا ابن عبد الأعلى, قال:ثنا المعتمر, عن أبيه, عن الحسن أنه قال:"فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِيَ"قال:مخلصين.
قال:ثنا ابن ثور, عن معمر, قال:قال الحسن:"صَوَافِيَ":خالصة.
حدثنا الحسن, قال:أخبرنا عبد الرزاق, قال:أخبرنا معمر, قال:قال الحسن:"صَوَافِيَ":خالصة لله.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا عبد الرحمن, قال:ثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن شقيق الضبي:"فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِيَ"قال:خالصة.
قال:ثنا عبد الرحمن, قال:ثنا أيمن بن نابل, قال:سألت طاوسا عن قوله:"فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِيَ"قال:خالصا.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:"فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِيَ"قال:خالصة ليس فيها شريك كما كان المشركون يفعلون, يجعلون لله ولآلهتهم صوافي صافية لله تعالى.
*ذكر من تأوّله بتأويل من قرأه "صَوَافِنَ":حدثنا ابن عبد الأعلى, قال:ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة:في حرف ابن مسعود:"فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِنَ":أي معقلة قياما.
حدثنا الحسن, قال:أخبرنا عبد الرزاق, قال:أخبرنا معمر, عن قتادة:في حرف ابن مسعود:"فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافِنَ"قال:أي معقلة قياما.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا عبد الرحمن, قال:ثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال:من قرأها "صَوَافِنَ"قال:معقولة. قال:ومن قرأها:(صَوَافَّ) قال:تصفُّ بين يديها.
حُدثت عن الحسين, قال:سمعت أبا معاذ يقول:أخبرنا عبيد, قال:سمعت الضحاك يقول في قوله:"فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ"يعني صوافن, والبدنة إذا نحرت عقلت يد واحدة, فكانت على ثلاث, وكذلك تنحر.
قال أبو جعفر:وقد تقدم بيان أولى هذه الأقوال بتأويل قوله:(صَوَافَّ) وهي المصطفة بين أيديها المعقولة إحدى قوائمها.
وقوله:( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) يقول:فإذا سقطت فوقعت جنوبها إلى الأرض بعد النحر,( فَكُلُوا مِنْهَا ) وهو من قولهم:قد وجبت الشمس:إذا غابت فسقطت للتغيب, ومنه قول أوس بن حجر:
ألَــمْ تُكْسَــفِ الشَّــمْسُ والبَـدْرُ
والْكَـــواكِبُ للْجَـــبَلِ الوِّاجِــبِ (4)
يعني بالواجب:الواقع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثني عيسى; وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد:( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) سقطت إلى الأرض.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال:ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, في قوله:( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) قال:إذا فرغت ونُحِرت.
حدثني محمد بن عمارة, قال:ثنا عبيد الله بن موسى, قال:أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد:( فَإِذَا وَجَبَتْ ) نحرت.
حدثني محمد بن سعد, قال:ثني أبي, قال:ثني عمي, قال:ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله:( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) قال:إذا نحرت.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) قال:فإذا ماتت.
وقوله:( فَكُلُوا مِنْهَا ) وهذا مخرجه مخرج الأمر ومعناه الإباحة والإطلاق; يقول الله:فإذا نحرت فسقطت ميتة بعد النحر فقد حل لكم أكلها, وليس بأمر إيجاب.
وكان إبراهيم النخعي يقول في ذلك ما:- حدثنا محمد بن بشار, قال:ثنا عبد الرحمن, قالا ثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم, قال:المشركون كانوا لا يأكلون من ذبائحهم, فرخص للمسلمين, فأكلوا منها, فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا مؤمل, قال:ثنا سفيان, عن حصين, عن مجاهد, قال:إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل, فهي بمنـزلة:وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا.
حدثني محمد بن سعد, قال:ثني أبي, قال:ثني عمي, قال:ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس:( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) يقول:يأكل منها ويطعم.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثنا هشيم, قال:أخبرنا يونس, عن الحسن. وأخبرنا مغيرة, عن إبراهيم, وأخبرنا حجاج, عن عطاء. وأخبرنا حصين, عن مجاهد, في قوله:( فَكُلُوا مِنْهَا ) قال:إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل, قال مجاهد:هي رخصة, هي كقوله:فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِومثل قوله:وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا، وقوله:( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) يقول:فأطعموا منها القانع.
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالقانع والمعترّ, فقال بعضهم:القانع الذي يقنع بما أعطي أو بما عنده ولا يسأل, والمعترّ:الذي يتعرّض لك أن تطعمه من اللحم ولا يسأل.
ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن سعد, قال:ثني أبي, قال:ثني عمي, قال:ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله:( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال:القانع:المستغني بما أعطيته وهو في بيته, والمعترّ:الذي يتعرّض لك ويلمّ بك أن تطعمه من اللحم ولا يسأل. وهؤلاء الذين أمر أن يطعموا من البُدن.
حدثني يعقوب, قال:ثنا ابن علية, عن ليث, عن مجاهد, قال:القانع:جارك الذي يقنع بما أعطيته, والمعترّ:الذي يتعرض لك ولا يسألك.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:أخبرني أبو صخر, عن القرظي أنه كان يقول في هذه الآية:( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) القانع:الذي يقنع بالشيء اليسير يرضى به, والمعترّ:الذي يمرّ بجانبك لا يسأل شيئا; فذلك المعترّ.
وقال آخرون:القانع:الذي يقنع بما عنده ولا يسأل; والمعترّ:الذي يعتريك فيسألك.
ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال:ثنا أبو صالح, قال:ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله:( الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) يقول:القانع المتعفف;(والمعترّ) يقول:السائل.
حدثنا ابن أبي الشوارب, قال:ثنا عبد الواحد, قال:ثنا خصيف, قال:سمعت مجاهدا يقول:القانع:أهل مكة; والمعترّ:الذي يعتريك فيسألك.
حدثني أبو السائب, قال:ثنا عطاء, عن خصيف, عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا مسلم بن إبراهيم, قال:ثني كعب بن فروخ, قال:سمعت قَتادة يحدث, عن عكرمة, في قوله:( الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال:القانع:الذي يقعد في بيته, والمعترّ:الذي يسأل.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا عبد الأعلى, قال:ثنا سعيد, عن قَتادة, قال:القانع:المتعفف الجالس في بيته; والمعترّ:الذي يعتريك فيسألك.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال:ثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال:القانع:والمعترّ، قال:القانع:الطامع بما قِبلك ولا يسألك; والمعترّ:الذي يعتريك ويسألك.
حدثني نصر بن عبد الرحمن, قال:ثنا المحاربي, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وإبراهيم قالا القانع:الجالس في بيته; والمعترّ:الذي يسألك.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا عبد الأعلى, قال:ثنا سعيد, عن قَتادة في القانع والمعترّ, قال:القانع:الذي يقنع بما في يديه; والمعترّ:الذي يعتريك, ولكليهما عليك حقّ يا ابن آدم.
حدثنا ابن حميد, قال:ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد:( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال:القانع الذي يجلس في بيته. والمعترّ:الذي يعتريك.
وقال آخرون:القانع:هو السائل, والمعترّ:هو الذي يعتريك ولا يسأل.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال:ثنا عبد الأعلى, قال:ثنا يونس, عن الحسن, قال:القانع:الذي يقنع إليك ويسألك; والمعترّ:الذي يتعرّض لك ولا يسألك.
حدثنا ابن المثنى, قال:ثنا محمد بن جعفر, قال:ثنا شعبة, عن منصور بن زاذان, عن الحسن, في هذه الآية:( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال:القانع:الذي يقنع, والمعترّ:الذي يعتريك. قال:وقال الكلبي:القانع:الذي يسألك; والمعترّ:الذي يعتريك, يتعرّض ولا يسألك.
حدثني نصر عبد الرحمن الأودي, قال:ثنا المحاربي, عن سفيان, عن يونس, عن الحسن, في قوله:( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال:القانع:الذي يسألك, والمعترّ:الذي يتعرّض لك.
حدثنا أبو كريب, قال:ثنا ابن إدريس, عن أبيه, قال:قال سعيد بن جُبير:القانع:السائل.
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي, قال:ثني غالب, قال:ثني شريك, عن فرات القزاز, عن سعيد بن جُبير, في قوله:(القانِعَ) قال هو السائل, ثم قال. أما سمعت قول الشماخ.
لَمَــالُ المَــرْءِ يُصْلِحُــهُ فيُغْنـي
مَفــاقرَهُ أعَــفُّ مِــنَ القُنُــوع (5)
قال:من السؤال.
حدثني يعقوب, قال:ثنا ابن علية, قال:أخبرنا يونس, عن الحسن, أنه قال في قوله:( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال:القانع:الذي يقنع إليك يسألك, والمعترّ:الذي يريك نفسه ويتعرّض لك ولا يسألك.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثنا هشام, قال:أخبرنا منصور ويونس, عن الحسن. قال:القانع:السائل, والمعترّ:الذي يتعرض ولا يسأل.
حدثنا يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:أخبرني عبد الله بن عياش, قال:قال زيد بن أسلم:القانع:الذي يسأل الناس.
وقال آخرون:القانع:الجار, والمعترّ:الذي يعتريك من الناس.
*ذكر من قال ذلك:- حدثنا أبو كريب, قال:ثنا ابن إدريس, قال:سمعت ليثا, عن مجاهد, قال:القانع:جارك وإن كان غنيا, والمعترّ:الذي يعتريك.
حدثنا ابن حميد, قال:ثنا حكام, عن عنبسة, عن ابن أبي نجيح, قال:قال مجاهد, في قوله:( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال:القانع:جارك الغنيّ, والمعترّ:من اعتراك من الناس.
حدثني يعقوب, قال:ثنا هشيم, قال:أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم, في قوله:( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) أنه قال:أحدهما السائل, والآخر الجار.
وقال آخرون:القانع:الطوّاف, والمعترّ:الصديق الزائر.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال:ثني أبي وشعيب بن الليث, عن الليث, عن خالد بن يزيد, عن ابن أبي هلال, قال:قال زيد بن أسلم, في قول الله تعالى:( الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) فالقانع:المسكين الذي يطوف, والمعترّ:الصديق والضعيف الذي يزور.
وقال آخرون:القانع:الطامع, والمعترّ:الذي يعترّ بالبدن.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى- وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله:(القانِعَ) قال:الطامع; والمعترّ:من يعترّ بالبدن من غنيّ أو فقير.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال:أخبرني عمر بن عطاء, عن عكرمة, قال:القانع:الطامع.
وقال آخرون:القانع:هو المسكين, والمعتر:الذي يتعرّض للحم.
*ذكر من قال ذلك:- حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال:القانع:المسكين, والمعترّ:الذي يعتر القوم للحمهم وليس بمسكين, ولا تكون له ذبيحة, يجيء إلى القوم من أجل لحمهم, والبائس الفقير:هو القانع.
وقال آخرون بما:- حدثنا به ابن بشار, قال:ثنا عبد الرحمن, قال:ثنا سفيان, عن فرات, عن سعيد بن جُبير, قال:القانع:الذي يقنع, والمعترّ:الذي يعتريك.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا عبد الرحمن, قال:ثنا سفيان, عن يونس, عن الحسن بمثله.
قال:ثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم ومجاهد:( الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) القانع:الجالس في بيته, والمعترّ:الذي يتعرّض لك.
وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال:عني بالقانع:السائل; لأنه لو كان المعنيّ بالقانع في هذا الموضع ، المكتفي بما عنده والمستغني به لقيل:وأطعموا القانع والسائل, ولم يقل:وأطعموا القانع والمعترّ. وفي إتباع ذلك قوله:والمعترّ، الدليل الواضح على أن القانع معنيّ به السائل, من قولهم:قنع فلان إلى فلان, بمعنى سأله وخضع إليه, فهو يقنع قنوعا; ومنه قول لبيد:
وأعْطـانِي المَـوْلى عَـلى حِـينَ فَقْرِهِ
إذَا قــالَ أبْصِـرْ خَـلَّتِي وَقُنُـوعي (6)
وأما القانع الذي هو بمعنى المكتفي, فإنه من قنِعت بكسر النون أقنع قناعة وقنعا وقنعانا. وأما المعترّ:فإنه الذي يأتيك معترّا بك لتعطيه وتطعمه.
وقوله:( كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ) يقول هكذا سخرنا البدن لكم أيها الناس. يقول:لتشكروني على تسخيرها لكم.
---------------------------
الهوامش:
(3) هذه أربعة أبيات من مشطور الرجز رواها المؤلف عن الفراء في معاني القرآن في هذا الوضع من التفسير ، وأنشدها قبل ذلك ثلاثة منها في ( 7:120 ) عند تفسير قوله تعالى:( فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان ) في سورة المائدة . مع اختلاف في بعض الألفاظ عن روايته لها هنا ، وهي:
عَــلَيَّ حــينَ تمْلِــكُ الأمُــورَا
صَــوْمَ شُــهُورٍ وَجَــبَتْ نُـدُورَا
وَبادِنــــا مُقَلَّـــدًا مَنْحُـــورا
ولفظة ( بادنا ) على هذه الرواية ، قد تكون صحيحة ، يريد جملا سمينا جسيما . كما في ( اللسان:بدن ) ، يقال:رجل بادن ، والأنثى بادن وبادنة والجمع:بدن ( بضم فسكون ) ، وبدن ( بالضم وتشديد الدال المفتوحة ) . وقد تكون ( بادنا ) محرفة عن بدن ( بالتحريك ) ، بدليل تخريج المؤلف له بقوله "والبدن "( بضم فسكون ) جمع بدنة ( بالتحريك ) ، وقد يقال لواحدها:بدن ( بالتحريك ) ، يدل عليه قول الراجز . "وبدنا مدرعا موفورا ". أه .
ويؤيده أيضًا قول أبي البقاء العكبري في إعراب القرآن:البدن ( بضم فسكون ):وجمع بدن ، ( بالتحريك ) وواحدته:بدنة مثل خشب ( بضم فسكون ) وخشب ( بالتحريك ) ويقال هو جمع بدنة ، مثل ثمرة وثمر ( الأخير بضم فسكون ) ، ويقرأ بضم الدال . والبدنة كما في ( اللسان:بدن ) بالهاء:لعظمها وسمنها . أه . يقول الراجز:أوجبت على نفسي إذا ملكت الأمور بتاء المخاطب أن أصوم شهورا ، وأن أحلق رأسي ، وأن أنحر بدنا أي جملا ضخما .
(4) البيت لأوس بن حجر كما قال المؤلف . والجبل هنا:يريد به رجلا عظيما ، والواجب الذي مات . قال في ( اللسان / وجب ) ووجب الرجل وجبا:مات ، قال قيس بن الخطيم يصف حربا وقعت بين الأوس والخزرج في يوم بعاث وأن مقدم بني عوف وأميرهم لج في المحاربة ، ونهى بني عوف عن السلم حتى كان أول قتيل:
أطـاعت بنـو عـوف أمـيرا نهـاهم
عـن السـلم حـتى كان أول واجب
وبيت أوس بن حجر شاهد على أن قوله تعالى:( فإذا وجبت جنوبها ) معناه:فإذا سقطت فوقعت جنوبها على الأرض بعد النحر ، فكلوا منها . أه .
(5) البيت للشماخ بن ضرار ( لسان العرب:قنع ) قال:وفي التنزيل:وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ، فالقانع الذي يسأل والمعتر:الذي يتعرض ولا يسأل . قال الشماخ:"لمال المرء . . . . البيت "يعني من مسألة الناس . وقال ابن السكيت ومن العرب:من يجيز القنوع:بمعنى القناعة ، وكلام العرب الجيد:هو الأول . ويروى:"من الكنوع "والكنوع:التقبض والتصاغر . وقيل القانع:السائل ، وقيل:المتعفف وكل يصلح ، والرجل:قانع وقنيع . وقال الفراء:هو الذي يسألك فما أعطيته قبله . وقيل:القنوع:الطمع . والفعل:قنع بالفتح يقنع قنوعا:ذل السؤال . وقيل:سأل . ومفاقرة:وجوه فقره ، وقيل:جمع فقر على غير قياس كالمشابه والملامح . ويجوز أن تكون جمع مفقرة مصدر أفقره ، أو جمع مفقر ( اسم فاعل ) .
(6) البيت للبيد كما قال المؤلف ، ولم أجده في ديوانه طبعة ليدن سنة 1891 . والخلة بالفتح:الحاجة والفقر . وقال اللحياني:خلة به شديدة:أي خصاصة . والقنوع:السؤال ، وقد شرحناه وبيناه في الشاهد الذي قبله .