قوله تعالى:{والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ( 36 )} .
( البدن ) ،منصوب بفعل مقدر .وتقديره: وجعلنا البدن جعلناها لكم فيها خير{[3116]} .
( والبدن ) ،جمع بدنة ،وهي الواحدة من الإبل .سميت بذلك من البدانة وهي السّمن .بدن الرجل بضم الدال ،إذا سمن .وهي في اللغة بمعنى الناقة أو البقرة تنحر بمكة .وسميت بذلك ؛لأنهم كانوا يسمنونها{[3117]} وهي اسم يختص بالبعير عند الشافعية .وتطلق على غير الإبل من البقر عند الحنفية والمالكية .ووجه قولهم هذا: أن البقرة لما صارت في حكم البدنة قامت مقامها .وقد جعلها النبي ( ص ) عن سبعة والبقرة عن سبعة فصار البقر في حكم البدن .
قوله: ( جعلناها لكم من شعائر الله ) أي من أعلام دينه التي شرعها لكم في مناسك حجكم إذا قلدتموها وأشعرتموها ليعلم الرائي أنها من الهدي .
قوله: ( لكم فيها خير ) أي خير الدنيا والآخرة .فخير الدنيا بالانتقام بها من ركوب وأكل ونحو ذلك .وخير الآخرة ،من حسن الأجل وجزيل الثواب .
قوله: ( فاذكروا اسم الله عليها صواف ) ( صواف ) ،جمع منصوب على الحال ،من الضمير في ،( عليها ) .وهو لا ينصرف ؛لأنه جمع بعد ألفه حرفان ؛أي مصطفه{[3118]} .
والمعنى: انحروها ذاكرين اسم الله عليها .وهو قوله: باسم الله والله أكبر .
و ( صواف ) ،أي صفت قوائمها فتكون بذلك قياما على ثلاث قوائم ،ويدها اليسرى معقولة .وعلى هذا فإن البعير إذا أرادوا نحره فإنه تعقل إحدى يديه فيقوم على ثلاث قوائم .وفي هذا أخرج أبو داود بسنده عن جابر أن رسول الله ( ص ) وأصحابه"كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى ،قائمة على ما بقي من قوائمها "وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن جابر بن عبد الله قال: صليت مع رسول الله ( ص ) عيد الأضحى ،فلما انصرف أتى بكبش فذبحه فقال:"بسم الله والله أكبر ،اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي ".
قوله: ( فإذا وجبت جنوبها ) أي سقطت على الأرض ميتة عقب نحرها{[3119]} .
قوله: ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) الأمر للندب والاستحباب فيندب لصاحب الذبيحة أن يأكل منها .أما ( القانع ) فهو المتعفف ،و ( المعتر ) معناه السائل .وقيل: ( القانع ) الذي يقنع بما يؤتاه ،و ( المعتر ) معناه الذي يعترض فيسأل .وقيل: ( القانع ) الذي يسأل ،( والمعتر ) الذي يتعرض ولا يسأل .
ويُستدل بهذه الآية على أن الأضحية تجزأ ثلاثة أجزاء ،أو ثلاثة أثلاث ،فثلث لصاحبها وعياله . وثلث يهديه لأصحابه .وثلث يتصدق به على الفقراء وهو قول الحنفية .وذلك لقوله تعالى: ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) وفي الحديث الصحيح أن رسول الله ( ص ) قال للناس:"إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ؛فكلوا وادخروا ما بدا لكم "وفي رواية:"فكلوا وادخروا وتصدقوا "وفي رواية:"فكلوا وأطعموا وتصدقوا ".
وعند الشافعية ،أن المضحي يأكل النصف ويتصدق بالنصف .وذلك لقوله تعالى: ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) .
قوله: ( كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ) أي مثل ذلك التسخير ذلل الله لكم هذه الأنعام لتكون منقادة لكم إلى حيث تريدون وما تبتغون من منفعة لكي تشكروا الله على ما خوّلكم من نعمة فتطيعوه وتعبدوه{[3120]} .