يقول تعالى ذكره:يجادل هذا الذي يجادل في الله بغير علم ( ثَانِيَ عِطْفِهِ ) .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله وصف بأنه يثني عطفه ، وما المراد من وصفه إياه بذلك، فقال بعضهم:وصفه بذلك لتكبره وتبختره، وذكر عن العرب أنها تقول:جاءني فلان ثاني عطفه:إذا جاء متبخترا من الكبر.
ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال:ثنا عبد الله، قال:ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله ( ثَانِيَ عِطْفِهِ ) يقول:مستكبرا في نفسه.
وقال آخرون:بل معنى ذلك:لاوٍ رقبته.
ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن قال:ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( ثَانِيَ عِطْفِهِ ) قال:رقبته.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة ( ثَانِيَ عِطْفِهِ ) قال:لاوٍ عنقه.
حدثنا الحسن، قال:أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قَتادة، مثله.
وقال آخرون:معنى ذلك أنه يعرض عما يدعى إليه فلا يسمع له.
ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( ثَانِيَ عِطْفِهِ ) يقول:يعرض عن ذكري.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد ( ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) قال:لاويا رأسه، معرضا موليا، لا يريد أن يسمع ما قيل له، وقرأوَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ-وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا. حدثنا القاسم - قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله ( ثَانِيَ عِطْفِهِ ) قال:يعرض عن الحق.
قال أبو جعفر:وهذه الأقوال الثلاثة متقاربات المعنى، وذلك أن من كان ذا استكبار فمن شأنه الإعراض عما هو مستكبر عنه ولّي عنقه عنه والإعراض.
والصواب من القول في ذلك أن يقال:إن الله وصف هذا المخاصم في الله بغير علم أنه من كبره إذا دُعي إلى الله ، أعرض عن داعيه ، لوى عنقه عنه ولم يسمع ما يقال له استكبارا.
وقوله ( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره:يجادل هذا المشرك في الله بغير علم معرضا عن الحق استكبارا، ليصدّ المؤمنين بالله عن دينهم الذي هداهم له ويستزلهم عنه، ( لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ) يقول جلّ ثناؤه:لهذا المجادل في الله بغير علم في الدنيا خزي ، وهو القتل والذل والمهانة بأيدي المؤمنين، فقتله الله بأيديهم يوم بدر.
كما حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله ( فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ) قال:قتل يوم بدر.
وقوله ( وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) يقول تعالى ذكره:ونحرقه يوم القيامة بالنار.