اختلفت القرّاء في قراءة قوله:( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) ، فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة ( وأنَّ ) بالفتح، بمعنى:إني بما تعملون عليم، وأن هذه أمتكم أمة واحدة، فعلى هذا التأويل (أن) في موضع خفض، عطف بها على (ما) من قوله:بِمَا تَعْمَلُونَ، وقد يحتمل أن تكون في موضع نصب إذا قرئ ذلك كذلك. ويكون معنى الكلام حينئذ:واعلموا أن هذه، ويكون نصبها بفعل مضمر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين بالكسر:( وَإِنْ ) هذه على الاستئناف، والكسر في ذلك عندي على الابتداء هو الصواب؛ لأن الخبر من الله عن قيله لعيسى:يَا أَيُّهَا الرُّسُلُمبتدأ، فقوله:( وَإِنَّ هَذِهِ ) مردود عليه عطفا به عليه، فكان معنى الكلام:وقلنا لعيسى:يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، وقلنا:وإن هذه أمتكم أمة واحدة. وقيل:إن الأمة الذي في هذا الموضع:الدِّين والملة.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، في قوله:( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال:الملة والدين.
وقوله:( وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ )يقول:وأنا مولاكم فاتقون بطاعتي تأمنوا عقابي ، ونصبت أمة واحدة على الحال. وذُكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك رفعا. وكان بعض نحويِّي البصرة يقول:رَفْع ذلك إذا رفع على الخبر، ويجعل أمتكم نصبا على البدل من هذه. وأما نحويو الكوفة فيأبون ذلك إلا في ضرورة شعر، وقالوا:لا يقال:مررت بهذا غلامكم; لأن هذا لا تتبعه إلا الألف واللام والأجناس، لأن "هذا "إشارة إلى عدد، فالحاجة في ذلك إلى تبيين المراد من المشار إليه أيّ الأجناس هو، وقالوا:وإذا قيل:هذه أمتكم أمة واحدة، والأمة غائبة ، وهذه حاضرة، قالوا:فغير جائز أن يبين عن الحاضر بالغائب، قالوا:فلذلك لم يجز:إن هذا زيد قائم، من أجل أن هذا محتاج إلى الجنس لا إلى المعرفة.