يعني تعالى ذكره بقوله:( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) والذين يعطون أهل سُهْمان الصدقة ما فرض الله لهم في أموالهم.( مَا آتَوْا ) يعني:ما أعطوهم إياه من صدقة، ويؤدّون حقوق الله عليهم في أموالهم إلى أهلها( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) يقول:خائفة من أنهم إلى ربهم راجعون، فلا ينجيهم ما فعلوا من ذلك من عذاب الله، فهم خائفون من المرجع إلى الله لذلك، كما قال الحسن:إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال:ثنا عبد الرحمن، قال:ثنا سفيان، عن ابن أبجر، عن رجل، عن ابن عمر:( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال:الزكاة.
حدثني محمد بن عمارة، قال:ثنا عبيد الله بن موسى، قال أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد:( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال:المؤمن ينفق ماله وقلبه وَجِل.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن أبي الأشهب، عن الحسن، قال:( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال:يعملون ما عملوا من أعمال البر، وهم يخافون ألا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم.
حدثنا القاسم، قال:ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال:قال ابن عباس:( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال:المؤمن ينفق ماله ويتصدق ، وقلبه وجل أنه إلى ربه راجع.
حدثني يعقوب، قال:ثنا ابن عُلَيَّة، عن يونس، عن الحسن أنه كان يقول:إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا، ثم تلا الحسن:إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَإِلَى ( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) وقال المنافق:إنما أوتيته على علم عندي.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا يحيى بن واضح، قال:ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة:( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) قال:يُعْطون ما أعطوا.( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) يقول:خائفة.
حدثنا خلاد بن أسلم، قال:ثنا النضر بن شميل، قال:أخبرنا إسرائيل، قال:أخبرنا سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، في قوله:( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال:يفعلون ما يفعلون وهم يعلمون أنهم صائرون إلى الموت، وهي من المبشرات.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قَتادة:( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال:يعطون ما أعطَوا ويعملون ما عملوا من خير، وقلوبهم وجلة خائفة.
حدثنا الحسن، قال:أخبرنا عبد الرزاق، قال:أخبرنا معمر، عن قَتادة، مثله.
حدثنا عليّ، قال:ثني معاوية، عن ابن عباس، قوله:( والذين يؤتون ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) يقول:يعملون خائفِين.
قال:حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبى، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال:يعطون ما أعطوا ؛ فرقا من الله ووجلا من الله.
حُدثت عن الحسين، قال:سمعت أبا معاذ يقول:أخبرنا عبيد، قال:سمعت الضحاك يقول في قوله:( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) ينفقون ما أنفقوا.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد:( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال:يعطون ما أعطوا وينفقون ما أنفقوا ويتصدقون بما تصدقوا وقلوبهم وجلة؛ اتقاء لسخط الله والنار. وعلى هذه القراءة، أعني على ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) قرأة الأمصار، وبه رسوم مصاحفهم وبه نقرأ؛ لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، ووفاقه خطّ مصاحف المسلمين.
وروي عن عائشة رضي الله عنها في ذلك، ما حدثناه أحمد بن يوسف، قال:ثنا القاسم، قال:ثنا عليّ بن ثابت. عن طلحة بن عمرو، عن أبي خلف، قال:دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة، فسألها عبيد، كيف نقرأ هذا الحرف ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ) ؟ فقالت:( يَأْتُونَ مَا أَتَوْا ). وكأنها تأولت في ذلك:والذين يفعلون ما يفعلون من الخيرات وهم وجلون من الله .
كالذي حدثنا ابن حميد، قال:ثنا الحكم بن بشير، قال:ثنا عمر بن قيس، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال:قالت عائشة:"يا رسول الله ( وَالَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) هو الذي يذنب الذنب وهو وجل منه؟ فقال:لا وَلَكِنْ مَنْ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ وَجِلٌ .
حدثنا أبو كريب، قال:ثنا ابن إدريس، عن مالك بن مِغْول، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب، أن عائشة قالت:"قلت:يا رسول الله ( الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) أهم الذين يُذنبون وهم مُشْفِقُون (1) ! ويصومون وهم مشفقون؟
حدثنا أبو كريب، قال، ثنا ابن إدريس، قال:ثنا ليث، عن مغيث، عن رجل من أهل مكة، عن عائشة، قالت:قلت:يا رسول الله ( الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال:فذكر مثل هذا.
حدثنا سفيان بن وكيع، قال، ثنا أبي، عن مالك بن مغول، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن عائشة أنها قالت:"يا رسول الله ( الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال:لا يابْنَة أبي بَكْرٍ، أو يابْنَةَ الصّدِيق، وَلَكِنَّهُ الرَّجُل يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيخافُ أنْ لا يُقْبَل مِنْهُ ".
حدثنا القاسم، قال، ثنا الحسين، قال:ثني جرير، عن ليث بن أبي سليم، وهشيم عن العوّام بن حَوْشب ، جميعا عن عائشة أنها قالت:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"يابْنَةَ أبي بَكْر ، أو يابْنَةَ الصِّدِّيق، هُمُ الَّذِينَ يُصَلونَ ، وَيَفْرَقُونَ أنْ لا يُتَقَبَّلَ مِنْهم ". و أن من قوله:( أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) في موضع نصب؛ لأن معنى الكلام:(وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) من أنهم، فلما حذفت (منْ) اتصل الكلام قبلها فنصبت، وكان بعضهم يقول:هو في موضع خفض، وإن لم يكن الخافض ظاهرا.
------------------------
الهوامش:
(1) لعل فيه سقطًا ، والأصل:قال:"لا "ولكن الذين يصلون وهم مشفقون ، ويصومون .... "إلخ ، كما يتضح من حديث عائشة الآتي بعد .