( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ) يقول تعالى ذكره:والذين يدعون الله أن يصرف عنهم عقابه وعذابه حذرا منه ووجلا . وقوله:( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) يقول:إن عذاب جهنم كان غراما ملحا دائما لازما غير مفارق من عذِّب به من الكفار, ومهلكا له. ومنه قولهم:رجل مُغْرم, من الغُرْم والدَّين. ومنه قيل للغريم غَريم لطلبه حقه, وإلحاحه على صاحبه فيه. ومنه قيل للرجل المولع للنساء:إنه لمغرَم بالنساء, وفلان مغرَم بفلان:إذا لم يصبر عنه; ومنه قول الأعشى:
إنْ يُعَــاقِب يَكُـنْ غَرَامـا وَإِنْ يُـعْـ
ـطِ جَـــزِيلا فَإِنَّـــهُ لا يبـــالي (5)
يقول:إن يعاقب يكن عقابه عقابا لازما, لا يفارق صاحبه مهلكا له، وقول بشر بن أبي خازم:
وَيــوْمَ النِّســارِ وَيَــوْمَ الجِفــا
رِ كَــانَ عِقَابًــا وَكَــانَ غَرَامـا (6)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن الحسن اللاني, قال:أخبرنا المعافي بن عمران الموصلي, عن موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب في قوله:( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) قال:إن الله سأل الكفار عن نعمه, فلم يردّوها إليه, فأغرمهم, فأدخلهم النار.
قال:ثنا المعافي, عن أبي الأشهب, عن الحسن, في قوله:( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) قال:قد علموا أن كلّ غريم مفارق غريمه إلا غريم جهنم.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) قال:الغرام:الشرّ.
حدثنا القاسم, قال:ثنا الحسين, قال:ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, في قوله:( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) قال:لا يفارقه.
------------------------
الهوامش:
(5) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة ( ديوانه طبع القاهرة ، بشرح الدكتور محمد حسين ، ص 9 ) وهو من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي ، وأولها مــا بكــاء الكبــير بــالأطلال
والغرام الشر الدائم ، ومنه قوله تعالى{ إن عذابها كان غرامًا} أي هلاكًا ولزامًا لهم . يقول:إن عاقب كان غرامًا ، وإن أعطى لم يبال العذال.
(6) البيت لبشر بن أبي خازم كما قال المؤلف . وفي اللسان نسبه للطرماح . قال:والغرام:اللازم من العذاب ، والشر الدائم ، والبلاء ، والحب ، والعشق ، وما لا يستطاع أن يتفصى منه ، وقال الزجاج:هو أشد العذاب في اللغة . قال الله عز وجل:{ إن عذابها كان غرامًا} ، وقال الطرماح:"ويوم النسار .. . "البيت . وقوله عز وجل:{ إن عذابها كان غرامًا}:أي ملحًا دائمًا ملازمًا . وفي معجم ما استعجم للبكري (طبعة القاهرة ص 385) الجفار:بكسر أوله ، وبالراء المهملة:موضع بنجد ، وهو الذي عنى بشر بن أبي خازم بقوله:"ويوم الجفار .. . "البيت . وقال أبو عبيدة:الجفار:في بلاد بني تميم . وقال البكري في رسم النسار:النسار ، بكسر أوله:على لفظ الجمع ، وهي أجبل صغار ، شبهت بأنسر واقعة ، وذكر ذلك أبو حاتم . وقال في موضع آخر:هي ثلاث قارات سود ، تسمى الأنسر . وهناك أوقعت طيئ وأسد وغطفان ، وهم حلفاء لبني عامر وبني تميم ، ففرت تميم ، وثبتت بنو عامر ، فقتلوهم قتلا شديدًا ؛ فغضبت بنو تميم لبني عامر ، فتجمعوا ولقوهم يوم الجفار ، فلقيت أشد مما لقيت بنو عامر ، فقال بشر ابن أبي خازم:
غَضِبَــتْ تَمِيــمٌ أنْ تُقْتَّـلَ عَـامِر
يَــوْمَ النِّسَــارِ فَـأُعْقِبُوا بِـالصَّيْلَمِ
قلت:الصيلم:الداهية المستأصلة . وفي رواية:فأعتبوا