القول في تأويل قوله تعالى:وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)
يقول تعالى ذكره:ومن يعرض عن ذكر الله فلم يخف سطوته, ولم يخش عقابه ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) يقول:نجعل له شيطانا يغويه فهو له قرين:يقول:فهو للشيطان قرين, أي يصير كذلك, وأصل العشو:النظر بغير ثبت لعلة في العين, يقال منه:عشا فلان يعشو عشوا وعشوّا:إذا ضعف بصره, وأظلمت عينه, كأن عليه غشاوة, كما قال الشاعر:
مَتـى تَأتِـهِ تَعْشُـو إلـى ضَـوْءِ نارِهِ
تَجِـدْ حَطَبـا جَـزْلا وَنـارًا تَأَجَّجـا (2)
يعني:متى تفتقر فتأته يعنك. وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر, فإنه يقال فيه:عَشِيَ فلان يَعْشَى عَشًى منقوص, ومنه قول الأعشى?
رأتْ رَجُـــلا غَــائِبَ الوَافِــدَيْنِ
مُخْــتَلِفَ الخَـلْقِ أعْشَـى ضَرِيـرا (3)
يقال منه:رجل أعشى وامرأة عشواء. وإنما معنى الكلام:ومن لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه إلا نظرًا ضعيفًا, كنظر من قد عَشِيَ بصره ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال:ثنا يزيد, قال:ثنا سعيد, عن قتادة, قوله:( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ) يقول:إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا( فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ).
حدثنا محمد, قال:ثنا أحمد, قال:ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله:( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) قال:يعرض.
وقد تأوّله بعضهم بمعنى. ومن يعمَ, ومن تأوّل ذلك كذلك, فيحب أن تكون قراءته ( وَمَنْ يَعْشَ ) بفتح الشين على ما بيَّنت قيل.
* ذكر من تأوّله كذلك:حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) قال:من يعمَ عن ذكر الرحمن.