{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} ممن لا يملك البصر السليم الذي يستطيع بواسطته رؤية الأشياء في كل وقتٍ ،ومن يبصر بالنهار دون الليل ،أو من لا يبصر مطلقاً ،على سبيل الكناية عمن لا يملك وضوح الرؤية القلبية لله في عظمته وفي حضوره الدائم في حياته كلها ،فينساه وينسى ذكره في أعماله وأقواله وعلاقاته بسبب الغفلة المطبقة{نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} أي نهيِّىء له شيطاناً يفتح نوافذ عقله على الباطل ليتحرك فكره في نطاق تأكيد الباطل فكرياً ،ويغلق قلبه عن الحق لتبتعد كل مشاعره وأحاسيسه عنه شعورياً ،ويبتعد بكل أقواله وأفعاله وعلاقاته عن النهج القويم في ما أمر الله به ونهى عنه في خط الاستقامة في الشريعة ،ويقترب به إلى خط الانحراف في مناهج الكافرين والمنافقين والضالين{فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} أي مصاحبٌ له داخل حياته وخارجها ،يسيطر عليه في كل أوضاعه العامة والخاصة ،بالوسوسة الداخلية ،أو بالمشورة ،أو بتزيين أعماله السيّئة ليراها حسنةً .
وقد تحدث الله في كتابه عن شياطين الإنس والجن الذين يوسوسون للناس ويضلّونهم عن السبيل ،ويحركونهم في اتجاهات الباطل من خلال تأثيراتهم النفسية والعملية ،تبعاً للعلاقات التي تشدهم إليهم ،فقد يكون الشيطان صديقاً أو رفيقاً أو أباً أو أخاً أو حاكماً أو نحو ذلك ،وقد يكون عنصراً خفيّاً في الداخل بحيث يحرّك نوازع الإِنسان وغرائزه ونقاط الضعف في شخصيته .
وليس المراد بأن الله يقيِّض لمن يغفل عن ذكره مثل هذا الشيطان ،أن القضية تحصل بشكل مباشر ،بل المراد أن الغفلة عن ذكر الله ،تفتح الأبواب للشيطان ليدخل حياة الإنسان الذي لا يملكنتيجة الغفلةقدرة الإنضباط في خط التوازن والاستقامة ،ما يجعله فريسةً سهلةً للشيطان