القول في تأويل قوله تعالى:وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
وقوله ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ) يقول تعالى ذكره:وكثيرا أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش من القرون,( هُمْ أَشَدَّ ) من قريش الذين كذّبوا محمدا( بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ) يقول:فَخَرَّقُوا (1) البلادَ فساروا فيها, فطافواوتوغَّلوا إلى الأقاصي منها; قال امرؤ القَيس:
لقَــدْ نَقَّبْــتُ فِـي الآفـاقِ حـتَّى
رَضِيــتُ مِــنَ الغَنِيمَـةِ بالإيـاب (2)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال:ثنا أبو صالح, قال:ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس ( فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ) قال:أثَّروا.
حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ) قال:يقول:عملوا في البلاد ذاك النقْب.
* ذكر من قال ذلك:
وقوله ( هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) يقول جلّ ثناؤه:فهل كان لهم بتنقبهم في البلاد من معدل عن الموت; ومَنْجي من الهلاك إذ جاءهم أمرنا.
وأضمرت كان في هذا الموضع, كما أضمرت في قولهوَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْبمعنى:فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم. وقرأت القرّاء قوله ( فَنَقَّبُوا ) بالتشديد وفتح القاف على وجه الخبرعنهم. وذُكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك ( فَنَقِبُوا ) بكسر القاف على وجه التهديد والوعيد:أي طوّفوا في البلاد, وتردّدوا فيها, فإنكم لن تفوتونا بأنفسكم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( مِنْ مَحِيصٍ ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال:ثنا يزيد, قال:ثنا سعيد, عن قتادة ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ )... حتى بلغ ( هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) قد حاص الفَجرة فوجدوا أمر الله مُتَّبِعا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال:ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله ( فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) قال:حاص أعداء الله, فوجدوا أمر الله لهم مُدْرِكا.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله ( هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) قال:هل من منجي.