القول في تأويل قوله:قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:قال هود لقومه:قد حَلَّ بكم عذَابٌ وغضبٌ من الله.
* * *
وكان أبو عمرو بن العلاء = فيما ذكر لنا عنه = يزعم أن "الرجز "و "الرجس "بمعنى واحد، وأنها مقلوبة، قلبت السين زايًا، كما قلبت "ستّ"وهي من "سداس "بسين، (72) وكما قالوا "قَرَبُوس "و "قَرَبُوت "(73) وكما قال الراجز:(74)
أَلا لَحَــى اللــهُ بَنِــي السِّـعْلاتِ
عَمْــرَو بْـنَ يَرْبُـوعٍ لِئَـامَ النَّـاتِ
لَيْسُــوا بِأَعْفَـافٍ وَلا أَكْيَــاتِ (75)
يريد "الناس "، و "أكياس "، فقلبت السين تاء، كما قال رؤبة:
كَـمْ قَـدْ رَأَيْنَـا مِـنْ عَدِيـدٍ مُـبْزِي
حَــتَّى وَقَمْنَــا كَيْــدَهُ بــالرِّجْزِ (76)
روي عن ابن عباس أنه كان يقول:"الرجس "، السّخط. (77)
14808-حدثني بذلك المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبى طلحة، عن ابن عباس، قوله:( قد وقع عليكم من ربكم رجس )يقول:سَخَط.
وأما قوله:( أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم )فإنه يقول:أتخاصمونني في أسماء سمَّيتموها أصنامًا لا تضر ولا تنفع (78) =( أنتم وآباؤكم ما نـزل الله بها من سلطان )يقول:ما جعل الله لكم في عبادتكم إياها من حجة تحتجُّون بها ، ولا معذرة تعتذرون بها ، (79) لأن العبادة إنما هي لمن ضرَّ ونفع ، وأثابَ على الطاعة وعاقب على المعصية ، ورزق ومنَع . فأما الجماد من الحجارة والحديد والنحاس ، فإنه لا نفع فيه ولا ضرّ، إلا أن تتخذ منه آلةً، ولا حجة لعابد عبده من دون الله في عبادته إياه ، لأن الله لم يأذن بذلك، فيعتذر من عبدَه بأنه يعبده اتباعًا منه أمرَ الله في عبادته إياه. (80) ولا هو= إذ كان الله لم يأذن في عبادته= مما يرجى نفعه ، أو يخاف ضرّه ، في عاجل أو آجل، فيعبد رجَاء نفعه ، أو دفع ضره -( فانتظروا إني معكم من المنتظرين )يقول:فانتظروا حكمَ الله فينا وفيكم=( إني معكم من المنتظرين )حكمَه وفصل قضائه فينا وفيكم.
-------------------
الهوامش:
(72) في المطبوعة:"كما قلبت:شئز ، وهي من:شئس"، لم يحسن قراءة المخطوطة ، والصواب ما أثبت ، يدل عليه شاهد الرجز الذي بعده.
(73) في المطبوعة والمخطوطة:"وقربوز"بالزاي (وهي في المخطوطة غير منقوطة) ، والصواب المحكي عنه بالتاء. و"القربوس"حنو السرج"وهو بقاف وراء مفتوحتان ، بعدهما باء مضمومة.
(74) هو علباء بن أرقم اليشكري.
(75) نوادر أبي زيد:104 ، 147 ، الحيوان 1:187/ 6:161 ، وفيه تخريج الأبيات ، وغيرهما كثير. و"السعلاة"اسم الواحدة من نساء الجن ، إذا لم تتغول لتفتن السفار. وزعموا أن عمرو بن يربوع تزوج السعلاة ، وأولدها ، وأنها أقامت في بني تميم حتى ولدت فيهم ، فلما رأت برقًا يلمع من شق بلاد السعالي ، حنت وطارت إليهم ، فقال عمرو بن يربوع:
أَلا لِلــهِ ضَيْفُــكِ ، يَــا أُمَامَــا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولا يعرف تمام البيت كما قال أبو زيد في نوادره:146. رَأَى بَرْقًــا فَــأَوْضَعَ فَـوْقَ بَكْـرٍ
فَـلا ، بِـكِ ، مـا أسَـالَ ومـا أَغَامَا
.
وقوله:"ليسوا بأعفاف"، هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة. ورواية أبي زيد وغيره:"ليسوا أعفاء"، وهي القياس ، جمع"عفيف"، وكأن"أعفاف"جمع"عف"، وقد نصوا على أنهم لم يجمعوا"عفا"، أو يكون كما جمع"شريف"على"أشراف"، في غير المضعف.
(76) ديوانه:64 ، هكذا جاء البيت الأول في المخطوطة والمطبوعة. وهو لا يكاد يصح ، ورواية الديوان.
مَــا رَامَنَـا مـن ذي عَدِيـدٍ مَـبْزى
يقال:"أبزى فلان بفلان"، إذا غلبه وقهاه. و"وقم عدوه"، أذله وقهره.
(77) في المطبوعة:"الرجز"مكان"الرجس"، وبين أن الصواب ما أثبت.
= وانظر تفسير"الرجس"فيما سلف 10:565/ 12:111 ، 112 ، 194.
(78) انظر تفسير"المجادلة"فيما سلف ص:86 ، تعليق:4 ، والمراجع هناك.
(79) انظر تفسير"سلطان"فيما سلف ص:404 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك.
(80) في المطبوعة والمخطوطة:"فيعذر من عبده"، والسياق يقتضي ما أثبت.