وقوله:(وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا) يقول تعالى ذكره:وكذّب هؤلاء الكفار بحُججِنا وأدلتنا تكذيبا. وقيل:(كِذَّابًا) ، ولم يقل تكذيبا تصديرا على فعله.
وكان بعض نحويِّي البصرة يقول:قيل ذلك لأن فعل منه على أربعة فأراد أن يجعله مثل باب أفعلت، ومصدر أفعلت إفعالا فقال:كذّابا، فجعله على عدد مصدره، قال:وعلى هذا القياس تقول:قاتل قتالا قال:وهو من كلام العرب. وقال بعض نحويِّي الكوفة:هذه لغة يمانية فصيحة، يقولون:كذّبت به كذّابا، وخَرَّقت القميص خِرَّاقا، وكلٌّ فَعَّلْت فمصدرها فِعَّال بلغتهم مشدّدة. قال:وقال لي أعرابي مرّة على المروة يستفتيني:ألحلق أحبّ إليك أم القِصَّار؟ قال:وأنشدني بعض بنِي كلاب:
لَقَـدْ طـالَ مـا ثَبَّطَتْنِي عَنْ صَحَابَتِي
وَعَـنْ حِـوَجٍ قِضَّاؤُهـا مِـنْ شِفائِيَا (9)
وأجمعت القرّاء على تشديد الذال من الكِذّاب في هذا الموضع. وكان الكسائي خاصة يخفِّف الثانية، وذلك في قوله:لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًاويقول:هو من قولهم:كاذبته كِذّابا ومكاذبة، ويشدّد هذه، ويقول قوله:(كَذَّبُوا) يقيد الكذّاب بالمصدر.
----------------------
الهوامش:
(9) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 355 ) قال:وقوله:{ وكذبوا بآياتنا كذابا}:خففها علي بن أبي طالب ( كذابا ) ، وثقلها عاصم والأعمش وأهل المدينة والحسن البصري ، وهي لغة يمانية فصيحة ، يقولون:كذبت به كذابا ، وخرقت القميص خراقا ، وكل فعلت ( بتشديد العين ) فمصدره فعال في لغتهم مشدد ، وأنشدني بعض بني كلاب:"لقد طال ما ثبطتني ... "البيت . وكان الكسائي يخفف{ لا يسمهون فيها لغوا ولا كذابا} ؛ لأنها ليست مقيدة بفعل يصيرها مصدرا ، ويشدد في{ وكذبوا بآياتنا كذابا} ؛ لأن كذبوا يقيد الكذاب بالمصدر ، والذي قال حسن ، ومعناه:{ لا يسمعون فيها لغوا} يقول:باطلا ،{ ولا كذابا} لا يكذب بعضهم بعضا . وفي ( اللسان:قضي ) وقوله:أنشده أبو زيد:"لقد طالما لبثتني ... "البيت . قال ابن سيده:هو عندي من قضي ( بالتشديد ) ككذاب من كذب . قال:ويحتمل أن يريد:اقتضاؤها ، فيكون من باب قتال ( بتشديد التاء ) كما حكاه سيبويه في اقتتال . ا هـ .