وقوله- سبحانه-:يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ استئاف مسوق لبيان الموقف الجحودى الذي وقفه المشركون من نعم الله- تعالى-.
والمراد بالكفر في قوله- تعالى-:وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ الستر لنعم الله عن معرفة لها، وغمطها عن تعمد وإصرار.
أى:إن هؤلاء المشركين، يعرفون نعم الله التي عددها في هذه السورة، كما أنهم يعترفون بأن خالقهم وخالق السموات والأرض هو الله، ولكنهم ينكرون هذه النعم بأفعالهم القبيحة، وأقوالهم الباطلة، كقولهم هذه النعم من الله ولكنها بشفاعة آلهتنا الأصنام، أو كقولهم:هذه النعم ورثناها عن آبائنا.
وجاء التعبير بثم لاستبعاد الإنكار بعد المعرفة بالنعم، فإن من شأن العالم بالنعمة أن يؤدى الشكر لمسديها، وأن يستعملها فيما خلقت له.
وقوله وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ أى:وأكثر هؤلاء الضالين. جاحدون لنعم الله عن علم بها لا عن جهل، وعن تذكر لا عن نسيان.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-:وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا...
قال صاحب فتح البيان:وعبر هنا بالأكثر في قوله- تعالى-:وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ والمراد الكل، لأنه قد يذكر الأكثر ويراد به الجميع، أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم، أو أراد كفر الجحود، ولم يكن كفر كلهم كذلك، بل كان كفر أقلهم عن جهل، وكفر أكثرهم بسبب تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم عنادا أو حسدا.. .
وبذلك ترى الآيات الكريمة قد ساقت لنا ألوانا من نعم الله- تعالى- على عباده، وأدلة متعددة على وحدانيته وقدرته، وجانبا من موقف الكافرين من هذه النعم.
ثم تحدثت السورة الكريمة بعد ذلك عن حال الظالمين يوم القيامة وعن الأقوال التي يقولونها عند ما يرون أصنامهم في هذا اليوم العصيب..
قال تعالى: