قوله تعالى:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار يعرفون نعمة الله ؛لأنهم يعلمون أنه هو الذي يرزقهم ويعافيهم ،ويدبر شؤونهم ،ثم ينكرون هذه النعمة .فيبعدون معه غيره ،ويسوونه بما لا ينفع ولا يضر ،ولا يغني شيئاً .
وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في آيات كثيرة .كقوله:{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيّ وَمَن يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [ يونس: 31] .
فقوله:{فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} ،دليل على معرفتهم نعمته .وقوله:{فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} ،دليل على إنكارهم لها .والآيات بمثل هذا كثيرة جداً .
وروي عن مجاهد: أن سبب نزول هذه الآية الكريمة: أن أعرابياً أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فسأله .فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [ النحل: 80] الآية .فقال الأعرابي: نعم !قال:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا}[ النحل: 80] .قال الأعرابي: نعم !ثم قرأ عليه كل ذلك يقول الأعرابي: نعم !حتى بلغ{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} ،فولى الأعرابي ؛فأنزل الله:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} الآية .وعن السدي رحمه الله:{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ} ،أي: نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثم ينكرونها ؛أي: يكذبونه وينكرون صدقه .
وقد بين جل وعلا: أن بعثة نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم من منن الله عليهم .كما قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ} [ آل عمران: 164] الآية .وبين في موضع آخر: أنهم قابلوا هذه النعمة بالكفران ؛وذلك في قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [ إبراهيم: 28] .وقيل: يعرفون نعمة الله في الشدة ،ثم ينكرونها في الرخاء .وقد تقدمت الآيات الدالة على ذلك ،كقوله:{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [ العنكبوت: 65] ،ونحوها من الآياتإلى غير ذلك من الأقوال في الآية .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [ 83] قال بعض العلماء: معناه أنهم كلهم كافرون .أطلق الأكثر وأراد الكل .قاله القرطبي والشوكاني .وقال الشوكاني: أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم .أو أراد كفر الجحود ،ولم يكن كفر كلهم كذلك ،بل كان كفر بعضهم كفر جهل .