وقوله:ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ... منصوب على الاختصاص، أو على النداء والمقصود بهذه الجملة الكريمة إثارة عزائمهم نحو الإيمان والعمل الصالح، وتنبيههم إلى نعمه- سبحانه- عليهم، حيث جعلهم من ذرية أولئك الصالحين الذين آمنوا بنوح- عليه السلام- وحضهم على السير على منهاجهم في الإيمان والعمل الصالح، فإن شأن الأبناء أن يقتدوا بالآباء في التقوى والصلاح.
والمعنى:لا تتخذوا يا بنى إسرائيل معبودا غير الله- تعالى-، فأنتم أبناء أولئك القوم الصالحين، الذين آمنوا بنوح- عليه السلام- فأنجاهم الله- تعالى- مع نبيهم من الغرق.
قال الآلوسى:وفي التعبير بما ذكر إيماء إلى علة النهى من أوجه:أحدها تذكيرهم بالنعمة في إنجاء آبائهم. والثاني:تذكيرهم بضعفهم وحالهم المحوج إلى الحمل والثالث:أنهم أضعف منهم- أى من آبائهم- لأنهم متولدون عنهم وفي إيثار لفظ الذرية الواقعة على الأطفال والنساء في العرف الغالب مناسبة تامة لما ذكر.
وقوله:إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً تذييل قصد به الثناء على نوح- عليه السلام- أى:
إن نوحا- عليه السلام- كان من عبادنا الشاكرين لنعمنا، المستعملين لها فيما خلقت له، المتوجهين إلينا بالتضرع والدعاء في السراء والضراء.
قال صاحب الكشاف:فإن قلت:قوله:إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ما وجه ملاءمته لما قبله؟.
قلت:كأنه قيل لا تتخذوا من دوني وكيلا، ولا تشركوا بي، لأن نوحا كان عبدا شكورا، وأنتم من آمن به وحمل معه، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم، ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم، والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح- عليه السلام- فهم متصلون به، فاستأهلوا لذلك الاختصاص...
وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد دعتا إلى إخلاص العبادة لله- تعالى- بأسلوب يرضى العقول السليمة، والعواطف الشريفة.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك قضاءه العادل في بنى إسرائيل وساق سنة من سننه التي لا تتخلف في خلقه فقال- تعالى-: