ثم بين سبحانه وتعالى صلة الأنبياء من عهد نوح فقال:{ ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا} .
هذه الآية الكريمة موصولة بما قبلها للدلالة على أن النبوة متصلة متحدة في غايتها ، وفي نهايتها ،{ ذرية من حملنا مع نوح} منصوب على الاختصاص والمعنى نخص بالذكر ذرية من قد حملنا ، ويصح أن تكون نداء ، والمعنى يا ذرية من قد حملنا مع نوح ، والخطاب لأتباع محمد أو من بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم وبنى إسرائيل ، وإنه قد أكد سبحانه وتعالى أنهم من ذرية من حمل مع نوح ، وكان الذين حملوا مع نوح في السفينة هم المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ، ولم يكونوا مشركين ، كما قال تعالى عند النجاة فوق السفينة ،{. . .وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ( 40 )} [ هود] .
والمعنى أن أصلكم قد اختاره من بين المشركين ليكون الإيمان هو الباقي ، وقد كرم الله من تبع نوحا ، والذين آمنوا به بتكريم نوح وذكر فضله فقال:{ إنه كان عبدا شكورا} ، الضمير يعود إلى نوح عليه وسلم ، وذكر له سبحانه وصفين كريمين:
الوصف الأول:أنه كان عبدا يحس بنعمة العبودية لله تعالى فلم يكن ذا جبروت ، بل كان خاضعا لله سبحانه وتعالى ، والخضوع لله تعالى وحده هو العزة التي لا ذل فيها ولا استكبار .
والوصف الثاني:أنه شكور ، أي كثير الشكر لله تعالى على نعمائه في سرائه وضرائه ، جاء في الكشاف للزمخشري ما نصه:"إنه كان إذا أكل قال الحمد لله الذي أطعمني ، ولو شاء أجاعني ، وإذا شرب قال:الحمد لله الذي سقاني ، ولو شاء أظمأني ، وإذا اكتسى قال:الحمد لله الذي كساني ، ولو شاء أعراني ، وإذا احتذى قال:الحمد لله الذي حزاني ، ولو شاء أحفاني ، وإذا قضى حاجته قال:الحمد لله الذي أخرج عني أذاى في عافية ، ولو شاء حبسه"، وروى أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به ، فإنه وجده محتاجا آثره".
وسواء صحت نسبة هذه المعاني إلى أبى البشرية الثاني أم لم تصح فإن هذا الكلام يدل على أن في كل أمر من أمور الإنسان نعمة توجب الشكر .
وإذا ذكر هذه الأوصاف لنوح عليه وسلم فيه تعليل لشرف الاتباع له وبيان أن من حملهم معه جديرون بالتكريم ، وفيه مع ذلك دعوة لأن يجعلوه أسوة فقد جعله من حملهم معه أسوة لهم فاتخذوه أيضا أسوة .