وقوله- تعالى-:فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً بيان لما كان منه- عليه السلام- بعد أن علم بضلال قومه.
وكان رجوع موسى إليهم بعد أن ناجى ربه، وتلقى منه التوراة.
قال الآلوسى ما ملخصه:فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ عند رجوعه المعهود أى:بعد ما استوفى الأربعين «ذا القعدة وعشر ذي الحجة» وأخذ التوراة لا عقيب الإخبار المذكور، فسببية ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوع المستفاد من قوله غَضْبانَ أَسِفاً لا باعتبار نفسه، وإن كانت داخلة عليه حقيقة، فإن كون الرجوع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور لا يذهب الوهم إلى كونه عند الإخبار المذكور ... ».
والمعنى فرجع موسى إلى قومه- بعد مناجاته لربه وبعد تلقيه التوراة حالة كونه غَضْبانَ أَسِفاً أى:غضبان شديد الغضب.
فالمراد بالأسف شدة الغضب، وقيل المراد به الحزن والجزع.
ثم بين- سبحانه- ما قاله موسى لقومه بعد رجوعه إليهم فقال:قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً ...
أى:قال لهم على سبيل الزجر والتوبيخ يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا لا سبيل لكم إلى إنكاره، ومن هذا الوعد الحسن:إنزال التوراة لهدايتكم وسعادتكم، وإهلاك عدوكم أمام أعينكم. فلماذا أعرضتهم عن عبادته وطاعته مع أنكم تعيشون في خيره ورزقه..؟.
ثم زاد في تأنيبهم وفي الإنكار عليهم فقال:أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي.
فالاستفهام في قوله أَفَطالَ.. للنفي والإنكار وأَمْ منقطعة بمعنى بل.
والمعنى:أفطال عليكم الزمان الذي فارقتكم فيه؟ لا إنه لم يطل حتى تنسوا ما أمرتكم به، بل إنكم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم، فأخلفتم موعدي الذي وعدتمونى إياه وهو أن تثبتوا على إخلاص العبادة لله- تعالى-.
ومعنى إرادتهم حلول الغضب عليهم، أنهم فعلوا ما يستوجب ذلك وهو طاعتهم للسامري في عبادتهم للعجل.
قال ابن جرير:كان إخلافهم موعده:عكوفهم على عبادة العجل، وتركهم السير على أثر موسى للموعد الذي كان الله وعدهم، وقولهم لهارون إذ نهاهم عن عبادة العجل ودعاهم إلى السير معه في أثر موسى:لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى.