{أَسِفاً}: صفة مشبهة من الأسف ،وهو الحزن وشدة الغضب .
{فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} فقد هزته المفاجأة التي أسقطت كل خططه بعد أن ركّز على هؤلاء الذين بذل كل جهده في سبيل تحريرهم من عبوديتهم لفرعون ،ليحررهم من عقلية الأوثان ،ليخلصوا العبادة لله ،ويلتزموا خط الإيمان به وحده .وجاء الآن ليأخذ من ربه وحي الشريعة التي يريد من خلالها أن يبني المجتمع المؤمن الذي يصنع على عين الله ووحيه ،فكيف حدث كل هذا الانحراف وبهذه السرعة ؟وكيف استسلموا للضلال ؟وأين كان هارون ؟إنه يعيش الآن روح الغضب ،ومرارة الحزن ،وها هو يواجههم بالتأنيب والنقد اللاذع ،{قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} في ما أراده بكم من رحمته بإنزال التوراة التي فيها الخير والهدى والنور والشريعة الجديدة التي تنظم لكم أمركم ،وتدفعكم إلى الخير كله في طريق الله ؟لقد كنت معكم عن قريب ولم يبدر منكم ما يشير إلى ما أنتم عليه الآن ،{أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} في غيابي عنكم حتى نسيتم المواثيق والعهود التي أكدتها عليكم في ما أكدته من عهد الإيمان وميثاقه ،في الإخلاص لله سبحانه ،وفي توحيده في العقيدة والعبادة ؟إن غيابي عنكم لم يكن طويلاً ،{أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي} فانحرفتم عن خط الاستقامة من دون مراعاة لحركة العقيدة في حياتكم الفكرية والعملية ،وفي موقفكم من ربكم .فهل كنتم تستنزلون غضب ربكم بذلك من دون خوف ولا وجل ؟{فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي} في ما كان يتمثل فيه موقفكم الروحي من الوعد العملي ،بأن تحسنوا خلافتي في هذا الخط الإيماني الذي عشنا الحياة كلها والجهد كله من أجل أن نلتزمه ونسير عليه ،وفي ما يعنيه موقع القيادة في حركة القاعدة والنبوة في روحية المؤمنين .