والمعنى:إِنَّكَ- أيها الرسول الكريم- لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ أى:
لا تستطيع بقدرتك الخاصة أن تهدى إلى الإيمان من تريد هدايته إليه.
وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ أى:ولكن الله- تعالى- وحده، هو الذي يملك هداية من يشاء هدايته إلى الإيمان، فهو- سبحانه- الخالق لكل شيء، وقلوب العباد تحت تصرفه- تعالى- يهدى من يشاء منها ويضل من يشاء، على حسب مشيئته وحكمته، التي تخفى على الناس.
وَهُوَ- سبحانه- أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أى:بالقابلين للهداية المستعدين لها.
فبلغ- أيها الرسول الكريم- ما كلفناك به، ثم اترك بعد ذلك قلوب الناس إلى خالقهم، فهو- سبحانه- الذي يصرفها كيف يشاء.
قال بعض العلماء:وإن الإنسان ليقف أمام هذا الخبر، مأخوذا بصرامة هذا الدين واستقامته، فهذا عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكافله وحاميه والذائد عنه، لا يكتب الله له الإيمان، على شدة حبه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشدة حب الرسول له أن يؤمن.
ذلك أنه إنما قصد إلى عصبية القرابة وحب الأبوة، ولم يقصد إلى العقيدة، وقد علم الله منه ذلك فلم يقدر له ما كان يحبه له صلّى الله عليه وسلّم ويرجوه، فأخرج هذا الأمر- أى الهداية- من خاصة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وجعله خاصا بإرادته- سبحانه- وتقديره. وما على الرسول إلا البلاغ، وما على الداعين بعده إلا النصيحة، والقلوب بعد ذلك بين أصابع الرحمن والهدى والضلال وفق ما يعلمه من قلوب العباد، واستعدادهم للهدى والضلال.
ثم حكى- سبحانه- جانبا من الاعتذارات الواهية التي تذرع بها المشركون في عدم الدخول في الإسلام.