/م51
56-{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}
كان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية قومه وذوي قرابته ،خصوصا عمه أبا طالب ،الذي بذل نفسه لحماية ابن أخيه والدفاع عنه ،حمية وعصبية لا من أجل العقيدة ،لقد كان أبو طالب صخرة تحطمت عليها أطماع قريش في النيل من النبي صلى الله عليه وسلم ،وبذل الكثير من أجل حمايته والدفاع عنه ،وتحمل أبو طالب المقاطعة في شعب بني هاشم مع كبر سنه ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية عمه إلى الإسلام ،ضنينا به أن يعذب في نار جهنم ،والله تعالى وحده يعلم من هو الشخص الذي سبقت له الهداية ،ومن هو الشخص الذي ختم على قلبه فلا يقبل الهداية ،فما أجل هذا الإسلام ،وما أعظم الهدف ،وما أسمى وأعدل الحكمة الإلهية ،ابن نوح عليه السلام يغرق مع الكافرين ،ويحاول أبوه أن يشفع له فيقول له الله تعالى:{قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} [ هود: 46] .
وهنا يثوب نوح إلى الحقيقة الثابتة ،والعدالة الإلهية ،وهي أن كل إنسان بما كسب رهين ،فلا ينفع الإنسان علو درجة أقرب الناس إليه ،ولا يضره تهاوي أقرب الناس إليه ،وأمثلة ذلك كثيرة: إبراهيم عليه السلام دعا أباه للإسلام ،واعتزله واستغفر له ،ثم تبرأ منه عندما علم أنه عدو لله ،امرأة نوح وامرأة لوط خانتاهما فدخلتا النار ،امرأة فرعون أسلمت وآمنت وتحملت الآلام ،فجعلها الله مثلا أعلى للذين آمنوا .
وقد ثبت في الصحيحين: أن الآية نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الزهري: حدثني سعيد بن مسيب عن أبيه –وهو المسيب بن حزن المخزومي رضي الله عنه- قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية ابن المغيرة ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عم ،قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله )xxii فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ،ويعودان له بتلك المقالة ،حتى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب ،وأبى أن يقول: لا إله إلا الله ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والله لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك ) فأنزل الله تعالى:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ..} [ التوبة: 113] .
وأنزل في أبي طالب:{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ..}
وروى الترمذي من حديث يزيد بن كيسان ،عن أبي حازم ،عن أبي هريرة قال: لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا عماه ،قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة )xxiii فقال: لولا أن تعيرني بها قريش ،يقولون ما حمله عليها إلا جزع الموت ،لأقررت بها عينك ،لا أقولها إلا لأقر بها عينك ،فأنزل الله تعالى:{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} .
وخالف في ذلك الشيعة ،وقالوا بإيمان أبي طالب ،وادعوا إجماع أئمة أهل البيت على ذلك .