والمعنى:قل يا محمد لهؤلاء الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وقل لغيرهم ممن يوجه إليهم الخطاب، قل لهم على سبيل الإرشاد والتحذير إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ من ولاية الكفار أو غيرها من الأقوال والأفعال يَعْلَمْهُ اللَّهُ فيجازيكم عليه بما تستحقون.
وفي أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بتوجيه هذا القول إلى المخاطبين ترهيب لهم من الآمر وهو الله- تعالى- لأن هذا التنويع في الخطاب من شأنه أن يربى المهابة في القلوب. وذلك- والله المثل الأعلى- كأن يقول الملك للمخالفين من رعيته:أحذركم من مخالفتي، ثم يأمر أحد أصفيائه بأن يكرر هذا التحذير وأن يبين لهم سوء عاقبة المخالفين.
وقوله وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جملة مستأنفة وليست معطوفة على جواب الشرط وهو يَعْلَمْهُ اللَّهُ، وذلك لأن علمه- سبحانه- بما في السموات والأرض ليس متوقفا على شرط فلذلك جيء به مستأنفا. وهذا من باب ذكر العام بعد الخاص وهو علم ما في صدوركم تأكيدا له وتقريرا.
وقوله وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تذييل قصد به الإخبار بأنه مع علمه الواسع المحيط، ذو قدرة نافذة على كل شيء وهذا لون من التهديد والتحذير لأن الذي يتوعد غيره بشيء لا يحول بينه وبين تحقيق هذا الشيء إلا أحد أمرين:الجهل بجريمة المجرم، أو العجز عن تنفيذ وعيده، فلما أعلمهم- سبحانه- بأنه محيط بكل شيء وقادر على كل شيء، ثبت أنه- سبحانه متمكن من تنفيذ وعيده.
قال صاحب الكشاف:«وقوله وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أى:هو قادر على عقوبتكم وهذا بيان لقوله وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ لأن نفسه وهي ذاته المميزة من سائر الذوات، متصفة بعلم ذاتى لا يختص بمعلوم دون معلوم. فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور، فهي قادرة على المقدورات كلها فكان حقها أن تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب فإنه مطلع عليه لا محالة فلا حق به العقاب. ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد الاطلاع على أحواله، فوكل همه بما يورد ويصدر، ونصب عليه عيونا، وبث من يتجسس عن بواطن أموره:لأخذ حذره وتيقظ في أمره، واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة به، فما بال من علم أن العالم بالذات- يعنى أن علمه بذاته لا بعلم زائد عن ذاته كعلم الحوادث وهذا عند المعتزلة- الذي يعلم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن. اللهم إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك» .