ثم أكد- سبحانه- التعجيب من أحوالهم فقال:انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ....
أى:انظر أيها العاقل كيف يفترى هؤلاء اليهود على الله الكذب في تزكيتهم لأنفسهم مع كفرهم وعنادهم وارتكابهم الأفعال القبيحة التي تجعلهم أهلا لكل مذمة وسوء عاقبة.
وقد جعل- سبحانه- افتراءهم الكذب لشدة تحقق وقوعه، كأنه أمر مرئى يراه الناس بأعينهم، ويشاهدونه بأبصارهم.
وقوله وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً أى:وكفى بافترائهم الكذب على الله إثما ظاهرا بينا يستحقون يسببه أشد العقوبات، وأغلظ الإهانات.
قال القرطبي ما ملخصه:قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ يقتضى الغض من المزكى لنفسه بلسانه، والإعلان بأن الزاكي المزكى من حسنت أفعاله، وزكاه الله- تعالى-، فلا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له.
وأما تزكية الغير ومدحه له ففي البخاري من حديث أبى بكرة أن رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ويحك قطعت عنق صاحبك- يقوله مرارا- إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك، وحسبه الله ولا يزكى على الله أحدا» . فنهى صلى الله عليه وسلم أن يفرط في مدح الرجل بما ليس فيه ... فيحمله ذلك على تضييع العمل وترك الازدياد من الفضل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:«ويحك قطعت عنق صاحبك» .
ومدح الرجل بما فيه من الفعل الحسن والأمر المحمود ليكون منه ترغيبا له في أمثاله، وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه ليس مدحا مذموما.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة. ومدح صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال:«إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع» .