{ أنظر كيف يفترون على الله الكذب}
/م49
أنظر أيها الرسول أنت ومن معك كيف تطوع لهم نفوسهم أن يدعوا أنهم بأعمالهم القبيحة ، وتكذيبهم للرسل ، يزكون أنفسهم ويطهرونها ، وأنهم بذلك ممدوحون أمام الله تعالى ، وأنهم محبوبون منه ، وأنه يغفر لهم كل ما يفعلون ! انظر إلى هذه الحال وتعجب ! وإنهم بهذا يكذبون على الله تعالى قاطعين في هذا الكذب فيحسبون أنهم مقبولون عند الله محبوبون ، وهم يعاندون رسوله ، ويبالغون ويكيدون له ، فهم يفترون الكذب على الله ورسوله والمؤمنين .
{ وكفى به إثما مبينا}أي كفاهم هذا العمل أن يكون إثما بينا واضحا . والإثم والآثام الأفعال المبطئة عن الخيرات التي يثاب عليها ، وهؤلاء قد ارتكبوا بتزكيتهم أنفسهم بغير الحق الأمر البين الذي يبطئهم عن فعل الخيرات ويوقعهم في السوء ؛ ذلك أن هؤلاء ضلوا وحسبوا ضلالهم هم الخير ، ومن كان شأنه كذلك فإنه لا يتجه إلى الخير ، لأن الذين يرتكبون الشر ثلاث مراتب:أدناها أنه يقع فيه عن جهل وسفه وحمق ، وهذا قريب التوبة والرجوع إلى الحق ، وهو من الذين قال الله تعالى فيهم{ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب . . .( 17 )}( النساء ) . والثانية:أن يرتكب السيئات ويوغل فيها ، ولكنه يعلم أنها سيئات لا يمدح فاعلها ، بل يذم ، وأنها لا تستحق التزكية ، بل تستحق اللوم ، وهذا ترجى توبته وعودته إلى الله . والثالثة:أن يزين له سوء أعماله ، فيفعل الشر ، ويفخر به ، وهذا يكون في مرتبة تبطئه أو تبعده إبعاد كليا عن الاتجاه إلى الحق طلبه .