ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر قدرته ورحمته بعباده فقال- تعالى- ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
أى:ثم يتوب الله- تعالى- من بعد هذا التعذيب للذين كفروا في الدنيا، على من يشاء أن يتوب عليه منهم، بأن يوفقه للدخول في الإسلام، والله- تعالى- واسع المغفرة، عظيم الرحمة، لا يحاسب الكافرين بعد إيمانهم على ما حصل منهم من كفر.
قال- تعالى-:قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ، وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ.
قال ابن كثير:وقوله:ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ ... قد تاب الله على بقية هوازن فأسلموا، وقدموا عليه مسلمين، ولحقوه وقد قارب مكة عند الجعرانة، وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما فعند ذلك خيرهم بين سبيهم وبين أموالهم فاختاروا سبيهم، وكانوا ستة آلاف أسير، ما بين صبي وامرأة فرده عليهم:وقسم الأموال بين الغانمين، ونفل أناسا من الطلقاء لكي يتألف قلوبهم على الإسلام، فأعطاهم مائة مائة من الإبل، وكان من جملة من أعطاهم مائة من الإبل مالك بن عوف النضري واستعمله على قومه .
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد ذكرت المؤمنين بجانب من نعم الله عليهم. ومن رحمته بهم، وأرشدتهم إلى أن النصر لا يتأتى لمن أعجبوا بكثرتهم فانشغلوا بها عن الاعتماد عليه- سبحانه- وإنما النصر يتأتى لمن أخلصوا لله سرائرهم وعلانيتهم. وباشروا الأسباب التي شرعها- سبحانه- للوصول إلى الفوز والظفر.
قال ابن القيم:افتتح الله- تعالى- غزوات العرب بغزوة بدر، وختم غزوهم بغزوة حنين، لهذا يقرن بين هاتين بالذكر، فقال بدر وحنين وإن كان بينهما سبع سنين.. وبهاتين الغزوتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين. فالأولى خوفتهم وكسرت من حدتهم، والثانية استفرغت قواهم، واستنفدت سهامهم، وأذلت جمعهم، حتى لم يجدوا بدا من الدخول في دين الله .
وبعد هذا التذكير والتوجيه من الله- تعالى- لعباده المؤمنين.. وجه- سبحانه- إليهم نداء أمرهم فيه بمنع المشركين من قربان المسجد الحرام، ووعدهم بالعطاء الذي يغنيهم، فقال: