الْآيَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } :
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النِّسْيَانَ هُوَ التَّرْكُ ، وَقَدْ يَكُونَ بِقَصْدٍ ، وَقَدْ يَكُونَ بِغَيْرِ قَصْدٍ ؛ فَإِنْ كَانَ بِقَصْدٍ فَاسْمُهُ الْعَمْدُ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَاسْمُهُ السَّهْوُ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ ، وَهِيَ :
المسألة الثَّانِيَةُ : فَإِنَّ تَكْلِيفَ السَّاهِي مُحَالٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْقِلُ الْخِطَابَ كَيْفَ يُخَاطَبُ ؟ فَإِنْ قَالَ : فَكَيْفَ ذَمَّ مَنْ لَا يَعْقِلُ الذَّمَّ ؛ أَوْ كَلَّفَ مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّكْلِيفُ ؟
قُلْنَا : إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدِهِمَا أَنْ يَعْقِدَ نِيَّتَهُ عَلَى تَرْكِهَا ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الذَّمُّ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ . وَإِنْ كَانَ حِينَئِذٍ غَافِلًا أَوْ لِمَنْ يَكُونُ التَّرْكُ لَهَا عَادَتَهُ ، فَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الذَّمُّ دَائِمًا ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ وَهِيَ :
المسألة الثَّالِثَةُ : لِأَنَّ السَّلَامَةَ عَنْ السَّهْوِ مُحَالٌ فَلَا تَكْلِيفَ . وَقَدْ سَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاتِهِ وَالصَّحَابَةُ ، وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ فَذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَتَدَبَّرُهَا وَلَا يَعْقِلُ قِرَاءَتَهَا ، وَإِنَّمَا هَمُّهُ فِي أعْدَادِهَا ، وَهَذَا رَجُلٌ يَأْكُلُ الْقُشُورَ وَيَرْمِي اللُّبَّ ، وَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ إلَّا لِفِكْرَتِهِ فِي أَعْظَمَ مِنْهَا ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَسْهُو فِي صَلَاتِهِ مَنْ يُقْبِلُ عَلَى وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ إذَا قَالَ لَهُ : اُذْكُرْ كَذَا [ لَمَّا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُهُ ] حَتَّى يُضِلَّ الرَّجُلَ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى .