الْآيَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : { كَانُوا قَلِيلًا من اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ }
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : الْهُجُوعُ : النَّوْمُ ، وَذَلِكَ من أَحَدِ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : الْإِقْبَالُ [ عَلَى الْأُنْسِ بِالْحَدِيثِ ، وَكَانَتْ عَادَتَهُمْ ، أَوْ ] عَلَى الْوَطْءِ .
الثَّانِي : الْإِقْبَالُ عَلَى الصَّلَاةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ . وَالْأَوَّلُ [ ضَعِيفٌ وَالثَّانِي ] بَاطِلٌ . وَلَوْلَا مَخَافَتُنَا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ يَوْمًا مَا ذَكَرْنَاهُ لِبُطْلَانِهِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : تَكَلَّمَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ : { كَانُوا قَلِيلًا من اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } لِأَجْلِ أَنَّ ظَاهِرَهُ يُعْطِي أَنَّ نَوْمَهُمْ بِاللَّيْلِ كَانَ قَلِيلًا ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ . وَإِنَّمَا مَدَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يُصَلِّي قَلِيلًا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ ؛ وَإِنَّمَا [ مَعْنَاهُ ] كَانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا من اللَّيْلِ ، أَيْ يَسْهَرُونَ قَلِيلًا . وَمَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى السَّهَرَ بِالْقَلِيلِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْعِبَادِ كُلَّهُ قَلِيلٌ .
وَفِي قَوْلِهِ ( مَا ) اخْتِلَافٌ بَيْنَ النُّحَاةِ : قَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ صِلَةٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ مَعَ الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ ؛ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ . وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْمُلْجِئَةِ .
المسألة الثَّالِثَةُ : صَلَاةُ اللَّيْلِ مَمْدُوحَةٌ شَرْعًا إجْمَاعًا ، وَهِيَ أَفْضَلُ من صَلَاةِ النَّهَارِ ، لِأَجْلِ فَرَاغِ الْقَلْبِ وَضَمَانِ الْإِجَابَةِ ، وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ .