الْآيَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ }
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : الرُّكُوعُ مَعْلُومٌ لُغَةً ، مَعْلُومٌ شَرْعًا حَسْبَمَا قَرَّرْنَاهُ ؛ فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ كَرَاهِيَةَ التَّطْوِيلِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الرُّكُوعِ وَإِنْزَالِهِ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ ، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ ، وَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقِيَامَةِ ، وَلَيْسَتْ بِدَارِ تَكْلِيفٍ ، فَيَتَوَجَّهُ فِيهَا أَمْرٌ يَكُونُ عَلَيْهِ وَيْلٌ وَعِقَابٌ ، وَإِنَّمَا يُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ كَشْفًا لِحَالِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، فَمَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ تَمَكَّنَ مِن السُّجُودِ ، وَمَنْ كَانَ يَسْجُدُ رِثاءً لِغَيْرِهِ صَارَ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا .
المسألة الثَّالِثَةُ : رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ : «بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَارٍ إذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ : { وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا . . . } الْحَدِيثَ إلَخْ ، فَمِن الْفَوَائِدِ الْعَارِضَةِ هَاهُنَا أَنَّ الْقُرْآنَ فِي مَحَلِّ نُزُولِهِ وَوَقْفِهِ عَشْرَةُ أَقْسَامٍ : سَمَاوِيٌّ ، وَأَرْضِيٌّ ، وَمَا تَحْتَ الْأَرْضِ ، وَحَضَرِيٌّ ، وَسَفَرِيٌّ ، وَمَكِّيٌّ ، وَمَدَنِيٌّ ، وَلَيْلِيٌّ ، وَنَهَارِيٌّ ، وَمَا نَزَلَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ . وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي من النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
المسألة الرَّابِعَةُ : ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ : { وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا } فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّ ، لَقَدْ أَذْكَرْتنِي بِقِرَاءَتِك هَذِهِ السُّورَةَ ، إنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ مَا صَلَّى لَنَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ » .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ قَرَأَ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ ، فِي طَرِيقٍ أُخْرَى .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ .