الْآيَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : { فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ من مَاءٍ دَافِقٍ } :
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى :
بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَحَلَّ الْمَاءِ الَّذِي يُنْتَزَعُ مِنْهُ ، وَأَنَّهُ بَيْنَ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ، تُزْعِجُهُ الْقُدْرَةُ ، وَتُمَيِّزُهُ الْحِكْمَةُ ، وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : إنَّهُ الدَّمُ الَّذِي تَطْبُخُهُ الطَّبِيعَةُ بِوَاسِطَةِ الشَّهْوَةِ ، وَهَذَا مَا لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ أَبَدًا إلَّا بِخَبَرٍ صَادِقٍ . وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ ، وَالنَّظَرُ الْعَقْلِيُّ لَا يُنْتَهَى إلَيْهِ ، وَكُلُّ مَا يَصِفُونَ فِيهِ دَعْوَى يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ حَقًّا ، بَيْدَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَعْيِينِهَا كَمَا قَدَّمْنَا ؛ وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَخْصِيصِهَا حَسْبَمَا أَوْضَحْنَا . وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ من جِهَةِ الْخَبَرِ قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ من سُلَالَةٍ من طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً . . . } وَهِيَ الدَّمُ ؛ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الدَّمَ هُوَ الطَّوْرُ الثَّالِثُ ، وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ الطَّوْرُ الْأَوَّلُ ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ مِمَّنْ يَجْهَلُ .
فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ :
المسألة الثَّانِيَةُ : فَلِمَ قُلْتُمْ : إنَّهُ نَجِسٌ ؟
قُلْنَا : قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ مَقْنَعٌ ، وَأَخَذْنَا مَعَهُمْ فِيهِ كُلَّ طَرِيقٍ ، وَمَلكنَا عَلَيْهِمْ بِثَبْتِ الْأَدِلَّةِ كُلَّ ثَنِيَّةٍ لِلنَّظَرِ . فَلَمْ يَجِدُوا لِلسُّلُوكِ إلَى مَرَامِهِمْ من أَنَّهُ طَاهِرٌ سَبِيلًا ، وَأَقْرَبُهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى ثَقْبِ الْبَوْلِ عِنْدَ طَرَفِ الْكَمَرَةِ فَيَتَنَجَّسُ بِمُرُورِهِ عَلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ .