نعم ،هناك طريق واحد لا غير لتفادي هذا الخسران العظيم القهري الإجباري ،وهو الذي تبيّنه آخر آيات هذه السّورة .
{إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}
بعبارة أخرى: ما يستطيع أن يحول دون هذا الخسران الكبير ،وأن يبدله إلى منفعة كبيرة وربح عظيم هو أنّه مقابل فقدان رأس المال ،يحصل على رأس مال أغلى وأثمن ،يستطيع أن يسدّ مسدّ رأس المال المفقود ؛بل أن يكون أفضل وأكثر منه عشرات ؛بل مئات ؛بل آلاف المرات .
كلّ نفس من أنفاس الإنسان يقربه خطوة نحو الموت .أمير المؤمنين علي( عليه السلام )يقول: «نَفَسُ المرء خُطاه إلى أجله »{[6155]} .
وهكذا كلّ ضربة من ضربات القلب تقرب الإنسان من الموت ،من هنا لابدّ من المبادرة إلى ملء الفراغ الذي يولده هذا الخسران الحتمي .
هناك من ينفق رأس مال عمره وحياته مقابل الحصول على مال قليل أو كثير ،على بيت صغير أو فخم .
هناك من ينفق كل رأس المال هذا من أجل الوصول إلى منصب أو مقام .
وهناك من ينفقه في سبيل أهوائه وملذاته .
ليس أي واحد من هذه الأموردون شكيمكن أن يكون ثمناً لتلك الثروة العظيمة ...ثروة العمر ...ثمنها الوحيد رضا اللّه سبحانه ومقام قربه لا غير .قال أمير المؤمنين علي( عليه السلام ): «إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة فلا تبيعوها إلاّ بها »{[6156]} .
وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق( عليه السلام ) في دعاء شهر رجب: «خاب الوافدون على غيرك ،وخسر المتعرضون إلاّ لك » .
ومن هنا كان أحد أسماء يوم القيامة «يوم التغابن » كما جاء في قوله سبحانه:{ذلك يوم التغابن}{[6157]} .أي ذلك اليوم الذي يظهر من هو المغبون والخاسر .
إنّه لتنظيم رائع في علاقة العبد بربّه ،فهو سبحانه من جهة يشتري رأس مال وجود الإنسان:{إنّ اللّه اشترى من المؤمنين ...}{[6158]} .
ومن جهة أخرى يشتري سبحانه رأس المال القليل:{فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره}{[6159]} .
ومن جانب آخر يدفع مقابل ذلك ثمناً عظيماً يبلغ أحياناً عشرة أضعاف ،وأحياناً سبعمائة ضعف ،وأحياناً أكثر:{في كلّ سنبلة مائة حبّة ،واللّه يضاعف لمن يشاء}{[6160]} .
وكما ورد في الدعاء: «يا من يقبل اليسير ،ويعفو عن الكثير » .
ومن جهة رابعة ،فإنّ كلّ رؤوس أموال الإنسان وثرواته قد وهبها اللّه إيّاه ...واللّه بفضله ومنّه ولطفه يعود ليشتري هذه الثروات نفسها بأغلى الأثمان !
/خ3